مصطفى ناجي

مصطفى ناجي

تابعنى على

‏خيانة الابتداء: سريالية التهديد وأوهام البطولة

منذ ساعتان و 42 دقيقة

‏أصدرت الجماعة الحوثية قرارًا بفرض عقوبات على شركات أمريكية، ضمن ما تسميه خرقًا لقرارها بحظر تصدير النفط الأمريكي.

‏وعلى غرار أن الإمام كان يُقرض الجيران قمحًا من خزائنه، سيقولون بعد سنوات إن الحوثي كان يفرض عقوبات على أمريكا. هذا الوهم المتطاول عبر الحقب هو الجانب السريالي في المسألة. 

‏بعيدًا عن هذه الكوميديا السوداء، فإن الأمور تتجه نحو تصعيد في البحر الأحمر، ويمضي الحوثي في تحقيق قدرته على تهديد المصالح الأمريكية.

‏يتناغم عكسياً هذا الدور مع المسار الدبلوماسي الذي قطعته إيران بشأن ملفها النووي، وموافقتها على عودة رقابة وكالة الطاقة، لكنها في الوقت نفسه وقّعت عقودًا ضخمة مع روسيا في المجال النووي.

‏إيران ماضية في برنامجها، وتعمل على إعادة تشييد ما تضرر منه، وهذه المرة تحت إشراف روسي.

‏تبدو الصفقة الإيرانية الروسية تجارية، لكنها في الحقيقة إقحام لروسيا في معركة أكبر مع أمريكا. 

‏وبينما توشك المعركة في غزة على الوصول إلى تهدئة ملغومة برعاية ترامب لا شأن الحوثي وصواريخه ومسيراته ولا لإيران فيها، فإن التصعيد الحوثي سيتبعه افتتاح لفصل جديد من الحروب الإسرائيلية في المنطقة، وستكون اليمن هي موضوع هذا التصعيد.

‏العقيدة الدولية الجديدة (الاسرائيلية الأمريكية ويمكن أن نضم إليها الروسية والإيرانية ) في التخلص في التهديدات الأمنية هي جعل الرد كبير إلى الحد الذي لا معنى معه للمقاومة ويغدو الحل هو الحفاظ على آخر ما هو قائم من عمران وإنسان بعيداً عن الأهداف الأولية التي أنطلق منها فعل المقاومة. غزة خير برهان. الجميع لم يعد يطمح بمعاقبة هذه المجزرة بقدر ما يتمنى وقف آلة القتل فقط. 

‏التهديد الحوثي جادٌّ، رغم أنه أُداتي وفكاهي في الوقت نفسه، وتأخذه الدول المعنية على محمل الجد، وتُعدّ له العدّة. ومن الوارد تشكيل تحالف دولي للقضاء على التهديدات الحوثية، وسيكون الثمن دمارًا لمناطق يمنية لا يخطر على بال.

‏لا معنى لقداسة صنعاء، وعراقتها، وقيمتها التاريخية والإنسانية، أمام التحالفات العسكرية العمياء.

‏علينا أن ننظر إلى الموصل، وما جرى لها، وكيف سُوِّيت بالأرض، والموصل هي الموصل؛ واحدة من أقدم وأجمل الحواضر البشرية. 

‏يفرح الحوثيون بهذا الدور الذي يتدرجون إليه في سلّم التهديد وخلق بؤرة توتر عالمية، لكنهم لا يدركون العائد (المادي، أو المعنوي السياسي، أو حتى الأخلاقي) مما يفعلون. 

‏إن دهاء الإيرانيين يتمحور حول كيفية استخدام الأدوات المحيطة بهم لتحقيق الأهداف وتجنيب إيران الثمن الفادح. وهم بذلك يستفيدون من تهور، وربما شجاعة، أدواتهم العربية.

‏في المحصلة، لن يستمر المشروع النووي الإيراني، ولن تصل إيران إلى وضع القوى الإقليمية لتتقاسم النفوذ في المنطقة. وبالمقابل، لن تُصان الدول العربية موضع التنازع والرهان الإيراني.

‏في حقيقتها، الجماعة الحوثية هي التجسيد العملاق للذهن الانتحاري الجهادي. مهمتها الأصلية ليست تحقيق المكاسب، بل ديمومة النضال والروح الفدائية. هي عبثية النزعة الأيديولوجية، وأنانية الجماعة المقامرة التي تبحث عن شرف خارج الزمان والمكان.

‏هذه النزعة لا تتشكل من وعد مستقبلي، إنما من روحٍ معذبةٍ بجلد الذات؛ حالة مرضية تولدت من خيانة الابتداء.

‏وقد حُقّ على اليمنيين دفع ثمن اضطرابات هذه النفس المعتلّة فكرًا وعقيدة.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك