عدن تغرق في الظلام.. انهيار شامل لمنظومة الكهرباء وعجز حكومي عن الحلول

الجنوب - منذ 5 ساعات و 49 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

تعيش العاصمة عدن، ومحافظات مجاورة حالة انهيار غير مسبوقة في خدمة الكهرباء، وسط عجز حكومي فاضح عن توفير الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد التي أصبحت خارج العمل.

تدهور حاد في ساعات الإمداد الكهربائي، حيث بلغت ساعات الانطفاءات إلى أكثر من 16 ساعة يوميًا مقابل ساعتين تشغيل فقط، وهذا الانهيار يأتي ظل ارتفاع قياسي في درجات الحرارة ونسب رطوبة خانقة.

وقال سكان محليون لـ"نيوزيمن" إن المدينة عاشت، خلال الأيام الماضية، "أصعب ليالي الصيف"، في ظل ظلام دامس خيم على أغلب الأحياء، تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات مرهقة، ما تسبب في معاناة مضاعفة، لا سيما للمرضى وكبار السن والأطفال، في ظل غياب أي حلول جذرية أو حتى إسعافية من قبل الجهات المختصة.

وكشف مسؤول في كهرباء عدن أن محطة الرئيس هي المحطة الوحيدة العاملة حاليًا في المدينة، حيث تُشغل حاليًا بوقود النفط الخام، لكنها لا تولّد أكثر من 85 ميجاوات فقط، من أصل طاقتها الإجمالية البالغة 264 ميجاوات. وأوضح أن جميع محطات التوليد العاملة بالديزل والمازوت باتت خارج الخدمة كليًا بسبب نفاد الوقود.

وأكد المسؤول أن العجز الكلي في الأحمال يتجاوز 615 ميجاوات، وهو رقم قياسي في تاريخ منظومة الكهرباء بعدن، ما يعني أن الطاقة المتاحة لا تغطي سوى جزء ضئيل جدًا من احتياج المدينة، وهو ما يدفع المؤسسة إلى توزيع الكهرباء بطريقة تناوبية لا تضمن أكثر من ساعتين تشغيل مقابل 16 ساعة أو أكثر من الانقطاع اليومي في معظم أحياء المدينة.

وأشار المسؤول إلى أن استمرار المحطة الوحيدة في العمل يعتمد على إمدادات محدودة من النفط الخام، الذي يُضخ عبر قواطر من محافظات حضرموت وشبوة ومأرب. لكنه كشف أن الكميات الواصلة يوميًا لا تتجاوز 8 قواطر نفط خام، في حين أن المحطة تحتاج إلى 25 قاطرة يوميًا لتعمل بكامل طاقتها.

وتابع موضحًا: "تصل من حضرموت 3 قواطر يوميًا فقط، وغالبًا ما يتم إيقافها بسبب الاحتجاجات التي يقودها حلف قبائل حضرموت للمطالبة بحقوقهم، أما من مأرب، فلا تصل أكثر من 3 قواطر يوميًا، وأحيانًا قاطرتين فقط، في حين أن الاعتماد على حقل العقلة في شبوة بات شبه منعدم، بعد نفاد المخزون الاحتياطي المتبقي في الحقل المتوقف عن الإنتاج منذ أشهر".

رغم هذه المعطيات الكارثية، تواصل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا صمتها المطبق إزاء هذه الأزمة المتفاقمة، دون أي تصريحات أو إجراءات معلنة لمعالجة انهيار المنظومة، أو تقديم حلول عاجلة لضمان تدفق الوقود إلى عدن، ما يفاقم الغضب الشعبي المتصاعد في المدينة.

وتشهد عدن، منذ بداية الصيف، احتجاجات متفرقة، قطع طرقات، وتصاعد دعوات لعصيان مدني شامل في بعض المديريات، رفضًا لما يصفه المواطنون بـ"الخذلان الحكومي الكامل" في ملف الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء، التي باتت تهدد حياة السكان ومستقبل المدينة.

ومع استمرار الانقطاعات في ظل أجواء صيفية خانقة، تتزايد المخاوف من كارثة إنسانية وصحية في عدن، في ظل انعدام الكهرباء في المستشفيات والمراكز الصحية، وتوقف عمل المصانع والمنشآت الخدمية، ما قد يؤدي إلى انفجار أزمة جديدة تضاف إلى سلسلة الأزمات التي تعصف بالمدينة.

وحذّر ناشطون ومهتمون من أن ترك الأوضاع على هذا النحو، دون تدخل حكومي سريع ومنسق، قد يؤدي إلى انهيار كامل في الحياة اليومية، داعين المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل للضغط على الحكومة من أجل توفير الوقود، وضمان استقرار خدمة الكهرباء في المدينة التي تعد أحد أكبر مراكز الثقل السكاني والاقتصادي في جنوب اليمن.

الصحفي عبدالرحمن أنيس وصف في منشور مؤلم على صفحته في فيسبوك معاناة مدينة عدن بأنها "ليلة أخرى من جحيم لا ينام"، مشيرًا إلى انقطاع الكهرباء لأكثر من 16 ساعة في ظل حرارة خانقة، واضطرار بعض المرضى الفقراء للجوء إلى الفنادق رغم عجزهم المالي، فقط لتجنّب مضاعفات صحية خطيرة. واعتبر أنيس أن المدينة "لم تعد مدينة، بل تحولت إلى جرح مفتوح"، وسط صمت رسمي وعجز حكومي مطبق.

بدوره الناشط زين عيديد عبّر عن غضبه وألمه في منشور على صفحته، واصفًا عدن بأنها "مدينة تموت ببطء"، محملاً المسؤولين مسؤولية ما وصفه بـ"العذاب الجماعي بصمت". وأشار إلى أن الكهرباء تنقطع لأكثر من 18 ساعة، بينما يعاني السكان من حرارة خانقة ورطوبة قاتلة، وسط عجز حكومي وصمت ممنهج. وأضاف عيديد أن ما يجري هو نتيجة "تحالف ثلاثي من الشياطين"، في إشارة إلى المسؤولين الصامتين والمبررين، مؤكدًا أن "الكرسي الذي لا يهتز لأوجاع الناس لا يجلس عليه إلا شيطان"، داعيًا في ختام منشوره إلى رفع الظلم عن عدن وأهلها.

من جهتها، أطلقت الناشطة دينا سالم نداء استغاثة عبر صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم "#عدن_تستغيث"، متسائلة بمرارة: "هل المطلوب أن نغادر البلاد أم نصنع كهرباء لكل بيت؟". وأكدت أن ما يعيشه أبناء عدن لم يعد مجرد أزمة خدمات، بل "حرب نفسية" تُنهك الناس يومًا بعد يوم، محذرة من أن صبر السكان بلغ حدوده القصوى. ودعت سالم إلى تحرك عاجل وإنهاء الصمت والتجاهل، قائلة: "عدن تنادي كل من بقي فيه ضمير... أنقذوا المدينة قبل أن تنهار بالكامل".