تعافي العملة بالمناطق المحررة كجزء من المعركة الاقتصادية.. حين أقر الحوثي بالهزيمة مُبكرًا

السياسية - منذ 3 ساعات و 54 دقيقة
تحليل خاص ، نيوزيمن، عمار علي أحمد:

في خضم تسارع الأحداث في المشهد المصرفي والاقتصادي بالمناطق المحررة، يُثار السؤال حول الصمت الذي تبديه مليشيا الحوثي الإرهابية إزاء هذا المشهد، الذي يمكن اعتباره معركة اقتصادية كسبتها الشرعية على حساب المليشيا.

فالتعافي المتسارع الذي شهدته العملة المحلية في المناطق المحررة خلال الأيام الماضية، لم يكن في حقيقته إلا نتيجة اقتصادية لتأثير المتغيرات الهامة التي شهدها ويشهدها الملف اليمني خلال العامين الماضيين، في سياق المشهد الجديد للمنطقة ما بعد طوفان الأقصى، أكتوبر 2023م.

هذا المشهد تلخّص في مواجهة مباشرة وغير مباشرة بين الغرب والمشروع الإيراني وأدواته في المنطقة، وعلى رأسها مليشيا الحوثي، التي أوكلت لها طهران مهمة مهاجمة الملاحة الدولية بالبحر الأحمر وباب المندب، في خطوة دفعت الغرب والمجتمع الدولي بأسره إلى تغيير الموقف والنظرة إلى الملف اليمني.

تغيير جاء بعد إدراك متأخر بفداحة المواقف الدولية، وتحديدًا الغربية، السابقة من الحرب في اليمن، بخذلان وأحيانًا تواطؤ ضد جهود التحالف والشرعية للقضاء على المليشيا الحوثية، التي باتت اليوم، بنظر الغرب والعالم، أكبر تهديد للملاحة الدولية ويجب العمل على إنهاء ذلك.

لينعكس التغيير في الموقف الدولي واضحًا بتوقف مسار السلام في اليمن، بعد أن وصل إلى مرحلة متقدمة بإعلان المبعوث الأممي، أواخر عام 2023م، عمّا تُسمى بخارطة الطريق كأساس لمسار السلام، وتصاعد الأمر مع القرار الأمريكي بوضع جماعة الحوثي في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مع تولي ترامب للرئاسة أواخر يناير من العام الماضي.

تبعات هذا القرار تجلّت واضحة في الأحداث التي تعيشها المناطق المحررة حاليًا، من التحسن المتسارع في قيمة العملة المحلية أمام العملات الصعبة، بعد سنوات من التدهور المستمر، وعجز الشرعية -ممثلة بالحكومة والبنك المركزي- عن وقف ذلك، قابله نجاح مليشيا الحوثية في تثبيت أسعار الصرف بمناطق سيطرتها.

وإلى جانب الفساد وسوء الإدارة، فإن السبب الرئيسي وراء هذا الفشل من جانب الشرعية، مقابل نجاح المليشيا في ملف العملة وأسعار الصرف، كان يعود إلى السيطرة المطلقة التي كانت تتمتع بها المليشيا على القطاع المصرفي، عبر سيطرتها على إدارات البنوك التجارية ووكلاء التحويلات الخارجية.

وهو ما يعني سيطرة المليشيا وتحكّمها بحركة وتدفق النقد الأجنبي إلى اليمن، الذي يعود غالبيته إلى تحويلات المغتربين والمانحين عبر هذه البنوك والوكلاء، ومع إنشائها للجنة "الاستيراد أو المدفوعات"، تمكّنت المليشيا من التحكّم بطرفي معادلة الصرف، وهما العرض والطلب على العملة الصعبة، ما سهّل لها فرض سعر محدد لأسعار الصرف في مناطق سيطرتها.

كسر هذه السيطرة من قبل الشرعية كان الدافع الأهم وراء القرارات التي أصدرها البنك المركزي في إبريل 2024م، ردًا على خطوة المليشيا بسك عملة معدنية لأول مرة منذ اندلاع الحرب عام 2015، حيث كان أهم القرارات نقل إدارات البنوك التجارية من صنعاء إلى عدن.

وهو ما أثار جنون المليشيا حينها، ودفعها إلى التهديد، لأول مرة، بقصف موانئ ومطارات ومصالح حيوية في السعودية في حال لم تقم بالضغط على الشرعية للتراجع عن هذه القرارات، وهو ما تم أواخر يوليو من العام الماضي، برعاية أممية.

إلا أن الأمر اختلف كليًا مع تغيير الموقف الدولي والتصنيف الأمريكي، الذي دفع البنوك التجارية إلى المسارعة في نقل مقراتها إلى عدن، والانضواء تحت سلطة البنك المركزي المعترف بها دوليًا، خوفًا من سيف العقوبات الأمريكية، بعد أن طالت اثنين من البنوك التي كانت على قائمة قرار البنك العام الماضي لنقل مقراتها إلى عدن.

انتقال البنوك مثّل النقطة الهامة في انتقال السيطرة على القطاع المصرفي من صنعاء إلى عدن، وانتقلت معها التجربة التي قامت بها المليشيا الحوثية في السيطرة على أسعار الصرف، بتشكيل لجنة المدفوعات برئاسة محافظ البنك منتصف الشهر الماضي، لتبدأ هنا أولى خطوات البنك في تولي زمام الأمور وفرض سلطته على القطاع المصرفي.

فعقب 3 أيام فقط من الكشف عن اللجنة، تدخلت قيادة البنك لأول مرة في سوق الصرف، بتحديد سقف محدد لأسعار الصرف بالمناطق المحررة، ونجحت في تثبيته نحو أسبوع، وتبدأ بعد ذلك سلسلة الانهيارات في أسعار الصرف، والتي لا تزال مستمرة حتى اللحظة.

هذه الخلفية لما يحدث اليوم تُثير معها تساؤلًا حول سبب صمت مليشيا الحوثي وهي تشاهد سقوط قبضتها على القطاع المصرفي في اليمن لصالح سلطة الشرعية في عدن، وكيف تقبل اليوم بما رفضته بالأمس وهددت بالحرب لمنع حدوثه؟ ولماذا تظهر اليوم في موقف مستسلم لما يحدث؟

بل إن عدة خطوات اتخذتها المليشيا خلال الفترة الماضية تُشير إلى أن الموقف لديها يتجاوز مستوى العجز والاستسلام إلى محاولة التقليل فقط من آثار ذلك قدر الإمكان، فالمليشيا تُدرك أن من يقف داعمًا خلف تمكين سيطرة الشرعية على القطاع المصرفي ليست السعودية أو دول التحالف، بل الغرب، وعلى رأسه أمريكا.

ومن هذه الخطوات، ما تفرضه المليشيا منذ أكثر من عامين على البنوك وشركات الصرافة بمناطق سيطرتها، من منع تسليم الحوالات للمواطنين بالعملة الصعبة وتسليمها بالريال. ومن أهم هذه الخطوات، ما أقدمت عليه مؤخرًا من قرارات صارمة بمنع استيراد عشرات السلع، وتقنين الكميات المستوردة من سلع أخرى، تحت ذريعة دعم الصناعة المحلية.

فحجم الاعتراض من قبل القطاع الخاص بمناطق سيطرتها على هذه الخطوة، بسبب صعوبة تطبيقها والتحذير من تبعاتها، وما قابلته المليشيا من تجاهل لذلك، يُشير إلى إدراك المليشيا بمخاوفها من انهيار أسعار الصرف بمناطقها مع المتغيرات الأخيرة، وأن أحد الحلول القاسية هو محاولة تقليل فاتورة الاستيراد، حتى وإن جاء بنتائج عكسية وكارثية.

كما أن من الخطوات التي قامت بها المليشيا مؤخرًا، كان مسارعتها إلى فتح الطرقات الرئيسية بين المحافظات اليمنية، التي ظلت لسنوات ترفض فتحها، في خطوة ترى المليشيا أنها قد تُخفف الحصار على مناطق سيطرتها جراء توقف نشاط موانئ الحديدة بسبب الضربات الإسرائيلية.

ومن ناحية أخرى، فإن تسهيل انتقال البضائع من مناطق سيطرتها، والتي تعتمد عليها المناطق المحررة كـالخضروات والفواكه والقات وغيرها، سيضمن لها موردًا هامًا لتدفق العملة الصعبة، تُوازن به الطلب الكبير على العملة الصعبة بمناطق سيطرتها، التي تتركز فيها الكثافة السكانية في اليمن.

هذه الخطوات، ومع صمت المليشيا الحوثية عن التعليق حول خسارتها الواضحة للمعركة في القطاع المصرفي، تكشف عن إدراك مبكر للمليشيا بالخسارة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، ما يمنح الشرعية هامش مناورة وأوراق ضغط في وجه المليشيا لانتزاع تنازلات سياسية أو اقتصادية مؤلمة، وخاصة في ملف تصدير النفط، المتوقف منذ أواخر 2022م جراء هجمات المليشيا.