بين التفهم والانتقاد الشعبي.. تباين الآراء حول بيان "مجموعة هائل" بشأن خفض الأسعار

السياسية - منذ ساعتان و 40 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

في ظل تعافي العملة الوطنية خلال الأيام الماضية، ومع تصاعد الدعوات الشعبية والحكومية لتخفيض أسعار السلع الأساسية، أثار بيان صادر عن مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه – كبرى المجموعات التجارية في اليمن – تباينًا واسعًا في الآراء، بين من اعتبره موقفًا واقعيًا يعكس تعقيدات المشهد الاقتصادي، ومن رأى فيه تهرّبًا من الاستجابة الفورية لمتطلبات المرحلة.

وكانت المجموعة قد أصدرت بيانًا رسميًا أكدت فيه "متابعتها باهتمام" لانخفاض سعر الصرف والمطالبات الشعبية بتخفيض الأسعار، معلنة التزامها بـ"إعادة تسعير منتجاتها بما يحقق مصلحة المستهلك ويحافظ على استقرار السوق"، لكنها اشترطت ضمانات فعلية لتوفير العملة الصعبة، محذرة من اتخاذ قرارات مرتجلة قد تؤدي إلى اضطرابات تموينية وإفلاسات تجارية.

يأتي بيان المجموعة في وقت سجل فيه الريال اليمني تعافيًا ملحوظًا أمام العملات الأجنبية، حيث تراجع سعر صرف الدولار إلى حدود 2000ريال بعد أن تجاوز 2900 ريال الأسبوع الماضي، وهو ما فجّر موجة من المطالبات بخفض أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت خلال فترة التدهور الحاد للعملة.

وفي منصات التواصل الاجتماعي، انتشر وسم #خفضوا_الأسعار، حيث اتهم ناشطون وشخصيات مجتمعية كبرى الشركات الغذائية بالمماطلة في عكس تحسّن سعر الصرف على الأسعار الاستهلاكية، مطالبين الجهات الحكومية بممارسة رقابة فاعلة على الأسواق ومنع التلاعب بقوت المواطن.

في المقابل، حذّرت مجموعة هائل في بيانها من أن فرض تسعيرات غير مدروسة "قد يُحدث اضطرابات تموينية خطيرة، ويقود إلى إفلاس عدد كبير من المصنعين وتجار الجملة والتجزئة"، مؤكدة أن التزامات الشركات جرى تغطيتها خلال الفترة الماضية بسعر صرف مرتفع، سواء من مزادات البنك المركزي أو من السوق المحلي.

وأشارت إلى أن "استقرار الأسعار يتطلب التزام الحكومة والبنك المركزي بتوفير العملة الصعبة بأسعار السوق السائدة حاليًا"، معتبرة أن غياب هذا الالتزام يُعجز القطاع الخاص عن الاستمرار في الاستيراد أو البيع بخسارة، وهو ما قد يؤدي لاحقًا إلى موجة ارتفاع جديدة في الأسعار.

ضمانات اقتصادية

يقول اقتصاديون إن البيان عكس حرصًا من المجموعة على التوازن بين البُعد الاجتماعي والاقتصادي، لكنه في الوقت ذاته "لم يُلبِّ سقف التوقعات الشعبية"، في وقت يحتاج فيه المواطن إلى مبادرات ملموسة من الشركات الكبرى، ولو بشكل مؤقت، للتخفيف من تداعيات الانهيار السابق.

ويؤكد الخبير الاقتصادي د. محمد النهاري أن "من غير المنطقي أن يتم فرض تسعيرات فورية دون النظر إلى تكلفة التوريد السابقة"، لكنه يضيف: "في المقابل، على كبار التجار أن يقودوا موجة التخفيض، وأن يفتحوا حوارًا شفافًا مع الجهات الرسمية حول كيفية توزيع الأعباء خلال هذه المرحلة".

فيما رأى الكاتب والمحلل الدكتور ياسر اليافعي أن ما ورد في البيان يعكس موقفًا واقعيًا يعبر عن عقلية استثمارية مسؤولة، لا عن ردود أفعال عاطفية أو مواقف إعلامية تبحث عن الشعبية على حساب المعطيات الاقتصادية. وقال اليافعي، في منشور على صفحته بمنصة "إكس"، إن "مجموعة هائل تتصرف بعقلية المستثمر المحترف، لا كإعلامي يبحث عن لايكات، ولا كمواطن يفرح بتراجع سعر الصرف دون أن يعرف ما يجري خلف الكواليس".

وأوضح اليافعي أن علاقة المستثمر بالدولة يجب أن تبقى تنظيمية بحتة، مشيرًا إلى أن الأزمة الحالية تعكس غياب الثقة بين أضلاع الدورة الاقتصادية الأساسية: الدولة، والمنتجين، والمستهلكين، ما يسبب خللًا بنيويًا في السوق، حسب تعبيره.

وشدّد على أن بيان المجموعة جاء "متسقًا مع أبجديات السوق بعيدًا عن العواطف"، مطالبًا البنك المركزي بالقيام بدوره الحقيقي إن أراد تثبيت سعر الصرف، "لا من خلال الحملات الإعلامية، بل عبر ضخ العملة الصعبة في السوق بالسعر الرسمي المعلن"، مؤكدًا أن مسؤولية الاستقرار لا تقع على عاتق القطاع الخاص وحده، بل على الدولة بمؤسساتها الاقتصادية والنقدية أولًا.

وكانت الحكومة اليمنية قد دعت عبر وزارة الصناعة والتجارة جميع التجار والمستوردين إلى خفض الأسعار بما يتناسب مع تحسن سعر العملة، مؤكدة أن الجهات المختصة بدأت حملات تفتيش ورقابة واسعة لضمان منع التلاعب، واستجابة السوق لمتغيرات الصرف.

وفي المقابل، دعت مجموعة هائل سعيد في بيانها إلى اعتماد معالجات مرحلية مدروسة، وعدم الانجرار خلف ما وصفته بـ"حملات الإثارة"، مجددة التزامها الدائم بمصلحة المستهلك، وتحقيق التوازن بين استقرار السوق وضمان تدفق السلع.

حملة مقاطعة

وفي مقابل الموقف الذي عبّرت عنه مجموعة هائل سعيد أنعم في بيانها الأخير، ذهب عدد من النشطاء والفاعلين على منصات التواصل الاجتماعي إلى إطلاق حملة إلكترونية واسعة لمقاطعة منتجات المجموعة، معتبرين أن البيان تضمن تنصلًا من المسؤولية الاجتماعية، وتجاهلًا لمعاناة المواطنين الذين ينتظرون انخفاضًا ملموسًا في أسعار المواد الغذائية بعد التحسن الكبير في سعر صرف الريال اليمني.

وتحت وسم #قاطعوا_منتجات_هائل_سعيد_انعم، دعا منظمو الحملة إلى تحرك شعبي للضغط على الشركات الكبرى، وفي مقدمتها مجموعة هائل سعيد، للخضوع لقرارات البنك المركزي والسلطات الرسمية بشأن خفض الأسعار، معتبرين أن مبررات المجموعة "غير مقنعة"، خاصة في ظل تحقيق أرباح كبيرة خلال فترات تدهور العملة.

وقال الصحفي ماجد الشعيبي، أحد المشاركين في الحملة، إن المقاطعة تهدف إلى "إعادة التوازن في العلاقة بين التاجر والمواطن، وفرض احترام للواقع الاقتصادي الجديد"، مشيرًا إلى أن الاستمرار في تسعيرات مرتفعة "يعني تحديًا سافرًا للسلطة الشرعية وتجاهلًا للأزمة المعيشية التي يرزح تحتها ملايين المواطنين".

وأصدر فريق الحملة بيانًا طالب فيه الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي بسرعة التدخل لإلزام الشركات التجارية الكبرى، بما فيها مجموعة هائل سعيد، بتعديل أسعارها بشكل عاجل، ووضع آلية رقابية حازمة، وصولًا إلى فتح تحقيق رسمي في ازدواجية تعامل تلك الشركات بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة الحوثيين.