الأمم المتحدة في اليمن.. ثغرات قاتلة صنعت قوة الحوثيين وأضعفت الشعب
السياسية - منذ ساعتان و 20 دقيقة
منذ أكثر من عقد من الزمن، تعمل الأمم المتحدة في اليمن تحت شعار "السلام والإغاثة"، لكن النتيجة النهائية تبدو عكسية تمامًا: بلد أكثر فقرًا وانقسامًا، وميليشيا حوثية مدعومة من إيران خرجت أكثر قوة ونفوذًا، على حساب الشعب اليمني وجيرانه الإقليميين؛ هذا ما خلص إليه تحليل مطوّل نشرته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) تحت عنوان: "8 إخفاقات للأمم المتحدة في اليمن".
ويؤكد التحليل الذي أعدته الباحثة بريدجيت تومي، المتخصصة في شؤون وكلاء إيران والميليشيات العابرة للحدود، أن الأمم المتحدة، بدلًا من أن تلعب دور الضامن للشرعية والاستقرار، ارتكبت سلسلة من الأخطاء البنيوية والعملية التي أسهمت في ترسيخ سلطة الحوثيين، وإضعاف الحكومة اليمنية الشرعية، وإطالة أمد الصراع.
من المفاوضات السياسية إلى برامج الإغاثة والمساعدات، ومن إدارة الموانئ إلى آليات التفتيش، تتكشف صورة مؤلمة لفشل متراكم أتاح للحوثيين استغلال الثغرات، وتحويل الدعم الدولي إلى أداة للتمكين العسكري والسياسي.
1. اتفاق ستوكهولم: هدنة أنقذت الحوثيين
يضع التحليل اتفاقية ستوكهولم (2018) في مقدمة الإخفاقات الأممية. الاتفاق الذي جرى التوصل إليه تحت ضغط دولي لوقف هجوم القوات اليمنية لاستعادة الحديدة، حوّل التقدم العسكري الشرعي إلى "هدنة قسرية"، منحت الحوثيين فرصة لإعادة التموضع وتعزيز سيطرتهم على الساحل الغربي. النتيجة: الحوثيون باتوا أصحاب اليد العليا في ميناء استراتيجي حيوي للتهريب والسيطرة على التجارة الدولية، بينما تجمدت رواتب موظفي الدولة، وتضخمت واردات الجماعة غير المشروعة.
2. حظر الأسلحة: آلية مشلولة
رغم أن قرار مجلس الأمن 2216 فرض حظرًا على توريد الأسلحة للحوثيين، فإن آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) فشلت منذ بدايتها. فالآلية تفتقر إلى سلطة الإلزام وتستند فقط إلى عمليات تفتيش طوعية. ومع تزايد السفن المتهربة، تسربت شحنات أسلحة إلى الحوثيين بمساعدة إيران. النتيجة أن ترسانة الحوثيين تنامت، فيما بقيت الأمم المتحدة عاجزة أمام اختراقات واضحة.
3. ميناء الحديدة: إدارة شكلية وسيطرة حوثية
أنشأت الأمم المتحدة بعثتها لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA) للإشراف على تنفيذ الاتفاق، لكن على الأرض، بقي الحوثيون المسيطرين الفعليين. الأموال التي كان يفترض أن تُخصص لرواتب القطاع العام تحولت إلى خزائن الجماعة لتمويل نشاطاتها العسكرية. والأدهى أن المجتمع الدولي، عبر الأمم المتحدة، موّل تطوير الميناء، ما يعني تحسين البنية التحتية تحت سلطة الحوثيين أنفسهم.
4. تمويل يخدم الحوثيين وروسيا
في ملف الناقلة "صافر"، ورغم نوايا الأمم المتحدة المعلنة بتجنب كارثة بيئية، تحوّل التمويل الدولي إلى باب جديد للحوثيين. شراء الناقلة الجديدة "يمن" وصيانتها بمبالغ طائلة جرى تحت أعين الجماعة التي استغلتها لتخزين النفط الروسي الخاضع للعقوبات، وهو ما وفر دخلاً وغطاءً إضافيًا لإيران وروسيا عبر بوابة البحر الأحمر.
5. مقرات الأمم المتحدة: البقاء في قلب نفوذ الحوثيين
قرار الأمم المتحدة الاستمرار في العمل من صنعاء، عاصمة الحوثيين، كان بمثابة اعتراف عملي بسلطة الميليشيا. ورغم تزايد حالات الاختطاف لموظفيها، لم تُنقل المكاتب الرئيسية إلا بعد فوات الأوان. أما الإصرار على الاعتماد على موانئ الحديدة لإدخال 80% من المساعدات الإنسانية، فقد جعل الحوثيين المستفيد الأكبر من الرسوم والتحكم في التوزيع.
6. العجز أمام اختطاف الموظفين
يظهر التحليل أن الأمم المتحدة فشلت في حماية موظفيها، حيث يحتجز الحوثيون أكثر من 40 موظفًا أمميًا، معظمهم يمنيون. بينما جرى الإفراج السريع عن موظف أجنبي مختطف، بقي اليمنيون لشهور وسنوات خلف القضبان. بيانات الأمم المتحدة جاءت ضعيفة، غالبًا بلا تسمية للحوثيين كمجرمين مباشرين، ما شجع الجماعة على مواصلة سياسة الترهيب.
7. المساعدات: وقودٌ لآلة الحرب الحوثية
وفقًا للتقديرات، سرق الحوثيون ثلث المساعدات الدولية المقدمة لليمن خلال عقد كامل، أي ما يقارب 30 مليار دولار. السيطرة الحوثية تمتد من إدارة قوائم المستفيدين إلى فرض الشركاء المحليين على المنظمات، فيما تغض الأمم المتحدة الطرف للحفاظ على "إمكانية الوصول". النتيجة: المساعدات عززت سلطة الحوثيين أكثر مما خففت معاناة اليمنيين.
8. عملية سياسية تمنح الشرعية للانقلابيين
أخيرًا، يشير التقرير إلى أن جهود المبعوث الأممي هانز غروندبرغ، بالتركيز على الحوار السياسي دون ضغط حقيقي، منحت الحوثيين موقعًا على قدم المساواة مع الحكومة الشرعية، وأضفت شرعية دولية على وجودهم. التردد في مواجهة الحوثيين عسكريًا أو دبلوماسيًا جعل العملية الأممية أداة لإطالة أمد الأزمة بدل حلها.
ويبرز تحليل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات صورة قاتمة لدور الأمم المتحدة في اليمن: مؤسسة يفترض أن تكون وسيطًا محايدًا، لكنها تحولت ـ بوعي أو دون وعي ـ إلى عامل من عوامل تمكين الحوثيين، وإضعاف الدولة اليمنية، وإطالة معاناة الشعب. من هنا، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة النظر جذريًا في آليات التدخل الأممي، بما يضمن استعادة التوازن، ووقف استغلال الدعم الدولي في تعزيز ميليشيا تهدد اليمن والمنطقة برمتها.