إسقاط المحافظات المحررة من الداخل.. خطة حوثية بدعم إخواني لخلط الأوراق

السياسية - منذ 6 ساعات و 9 دقائق
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

تتسارع المخاطر على "المحافظات المحررة" في اليمن، في ظل خطاب ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران المتصاعد  حول "الإسقاط من الداخل" وتصاعد حملات تحريض وهرولة إعلامية وبعض التحركات الميدانية التي تبدو متزامنة مع عمليات عنف نفذتها خلايا متطرفة، ما يفتح الباب أمام تحليلٍ مبني على وجود استراتيجية متعددة المحاور تهدف إلى تقويض الاستقرار الداخلي قبل أي هجوم عسكري واسع.

وأثار القيادي الحوثي البارز محمد البخيتي، بتصريحاته الأخيرة، موجة قلق في الأوساط السياسية والعسكرية؛ إذ صرح قبل أيام بأن "الحل السياسي أصبح صعباً، والحرب الداخلية تكاليفها باهظة، والحل، من وجهة نظره، هو إسقاط المناطق المحررة من الداخل". هذا البيان، حسب محللين، لا يشكّل مجرد تهديد كلامي بل تعبير عن استراتيجية تعمل على محاور متزامنة: إضعاف المؤسسات والخدمات، إذكاء الاحتجاجات، وخلق بيئة تأخذها الساحات المحلية كذريعة للتدخل والتقويض.

الخطاب الحوثي هنا يهدف إلى نقل الصراع من مستوى السلاح والقتال الميداني إلى مستوى الهزّ الاجتماعي والسياسي داخل المحافظات المحررة: زرع الخلافات، خلق شعور بعدم الكفاءة لدى السلطات المحلية، واستثمار أي فشل إداري أو خدماتي لتفجير الشارع وتقويض شرعية المؤسسات. إضافة إلى تحريك أدواتهم الإرهاربية والتخريبية لزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الفوضى.

استغلال الاحتجاجات

محاولات استغلال مطالب المواطنين المشروعة، خاصة في العاصمة عدن ومحافظات محررة أخرى، ظهرت جلية في موجة الاحتجاجات الأخيرة على تردي الخدمات الكهربائية وتأخر صرف المرتبات. هذه الموجات الاحتجاجية، يقول مراقبون، لا تدار جميعها من ضمير مدني؛ فبعض الجهات السياسية والتنظيمية استغلت الغضب الشعبي لتصعيد الخطاب، وتجهيز قدرات إعلامية لإطالة مدة الاحتجاجات وتحويلها من مطالب خدمية إلى حراك سياسي يهدد الاستقرار.

الهدف من هذا التحويل مزدوج: أولا، جعل الساحة تبدو "غير آمنة" أمام المستثمرين والمساعدات الخارجية. ثانياً، توفير غطاء تبريري لعمليات تخريب وعمليات أمنية، تعطي الانطباع بأن الدولة عاجزة عن حماية مواطنيها، ما يمهّد الأرض لسيناريوهات إسقاط مؤسسات محلية أو فرض أمر واقع جديد عبر شبكات محلية مدعومة إعلامياً.

ويؤكد وكيل وزارة الإعلام، أسامة الشرمي، على ضرورة وعي مزدوج: "أولاً في أوساط النخبة الحاكمة، وثانياً في توعية الشارع الذي لن يهدأ ما لم تتوفر له الخدمات الأساسية". وأضاف الشرمي أن توفير الخدمات أصبح جزءًا من المجهود الحربي، ويجب التعامل معها على هذا الأساس.

واستدل الشرمي على هشاشة البيئة الداخلية بوقائع متزامنة: تصريحات القيادي البخيتي حول "الإسقاط من الداخل" تلتها مباشرةً انقطاع تام للكهرباء في عدن ومحافظات مجاورة، على الرغم من دخول فصل الشتاء وتراجع الأحمال، وفي ظل إعلان عن منحة دعم وقود من الأشقاء في المملكة والخطوات الرسمية لتنفيذها. كما لفت إلى خروج محطة تعمل بالوقود الخام عن الخدمة، ما يبيّن أن الأزمة تفوق مجرد نقص مالي أو إداري، وأن هنالك عواملٍ أخرى تسرّع انهيار البنية التحتية لخدمة الإعلام السياسي المهيّأ لهدف إسقاط الداخل.

خلاصة الشرمي أن الواجهة الخدمية هي جبهة وطنية بامتياز؛ فضعف الأداء الحكومي في الكهرباء والمرتب والوقود يوفّر بيئة حاضنة لمشاريع زعزعة الأمن والاستقرار.

التفجيرات وتنشيط الإرهاب

تجسّد هذا المخطط جزئياً في النشاطات الأمنية والإرهابية الميدانية الأخيرة، وعلى رأسها هجوم المجمع الحكومي في مديرية المحفد بمحافظة أبين؛ حيث نفذ عناصر تنظيم القاعدة هجومًا مزدوجًا بسيارتين مفخختين تلاه اقتحام مسلح، استهدف مقر اللواء الأول دعم وإسناد. مثل هذه العمليات، التي تستهدف مؤسسات أمنية وعسكرية مناهضة للحوثي، تُقرأ كجزء من منظومة تآزرية: تحريض إعلامي وسياسي من جهة، وضربات ميدانية من جهة أخرى، تهدف إلى ترويع السكان وإحياء قدرات تنظيمية سبق وأن تضاءلت بفعل العمليات الأمنية.

المفارقة الخطيرة أن هذه العمليات تأتي في توقيتات تتزامن مع أزمات خدماتية وسياسية في المحافظات المحررة، ما يثير شبهات عن "تزامن ممنهَج" بين سِلم المعلومات والتحريض الإعلامي والتسهيلات الميدانية.

المحلل السياسي الدكتور ياسر اليافعي وضع خريطة مطابقة لما يجري، إذ قال إن "كل تحريض إعلامي تقوم به منصات وشخصيات وقنوات تتبع تنظيم الإخوان ضد القوات الجنوبية تعقبه مباشرة عملية إرهابية للقاعدة تستهدف هذه القوات". وذكر أن حملة تحريض إعلامي استهدفت قيادة القوات الجنوبية في أبين مؤخراً، تلتها عمليّة إرهابية كبرى على مقر اللواء الأول دعم وإسناد في المحفد، ما يُظهِر ـ برأيه ـ "تخادماً واضحاً يشمل محور الشر الثلاثي: الحوثي والقاعدة والإخوان؛ تنسيقاً وتحريضاً إعلامياً، وتسهيلات ميدانية، ودعماً لوجستياً لتنفيذ عمليات تستهدف القوات الجنوبية".

التحليل هنا يحذر من وجود شبكة علاقات وظيفية لا تعني بالضرورة تحالفًا علنياً، لكنها تعمل تكتيكياً: كل طرف يقدم لخلفه بيئة أو تغطية أو ساحة عمل تمكّنه من ضرب خصمه ونشر الفوضى.

التمهيد والإسناد

يرى محللون أن ثمة مساندة إعلامية مكثفة من منصات وشبكات إعلامية مرتبطة بحركة الإخوان لمخطط الفوضى؛ فهذه الوسائل خصصت مساحات واسعة لتغطية الاحتجاجات في المحافظات المحررة، بينما منحت تغطية محدودة وقصيرة لانتهاكات ميليشيات الحوثي في مناطق سيطرتها، بما فيها استهداف الأمم المتحدة ومقارها بصنعاء. كما شهدت منصات نشطاء محسوبين على الإخوان حملات منظمة ضد مجلس القيادة والحكومة والسلطة المحلية في عدن، والمجلس الانتقالي الجنوبي وتحالف دعم الشرعية مكرّسة سردية فشل الخدمات كدليل على الهزيمة.

المقاربة هنا إعلامية واستراتيجية تهدف إلى إظهار المحافظات المحررة كمناطق فوضى وعجز إداري لتقويض ثقة المواطنين والمانحين والفاعلين الدوليين بالمؤسسات الرسمية، وإفساح المجال أمام بدائل محلية في إشارة للميليشيات الحوثية وسلطة الإخوان للتماهي مع مصالح أخرى. حيث إن استفحال ظاهرة "الإسقاط من الداخل" ـ إن صحت مؤشرات العمل عليها ـ يمثّل تهديداً وجودياً للمحافظات المحررة ولجهد استعادة الدولة وتثبيت الأمن والاستقرار والتعافي الاقتصادي .

ويؤكد المحللون على أهمية تعزيز قدرات الخدمات الأساسية وتسليم المرتبات باعتبارها خط الدفاع الأول ضد التهييج الشعبي، وتقديم آليات شفافة لإدارة الموارد وتوزيعها. ووضع استراتيجية إعلامية مضادة تُفند التحريض، وتكشف تمويل وتوجيه الحملات المنظمة، مع حماية المعلومة وإجراءات سريعة للرد. إضافة إلى خلق تنسيق أمني استخباراتي بين الأجهزة المحلية والتحالف والداعمين الدوليين لقطع قنوات التسهيل واللوجستيات أمام الخلايا الإرهابية، وملاحقة ومساءلة جهات التحريض المالي والإعلامي التي تسهم في إذكاء الفوضى، عبر آليات قانونية ورقابية.