أكثر من 24 ألف انتهاك خلال 11 عام.. ذمار تختنق تحت قبضة الحوثيين

الحوثي تحت المجهر - منذ ساعة و 31 دقيقة
ذمار، نيوزيمن:

وسط وجعٍ إنساني لا يتوقف، تواصل محافظة ذمار – الواقعة جنوب صنعاء – دفع ثمنٍ باهظٍ منذ أن سيطرت عليها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران قبل أحد عشر عامًا، لتتحول هذه المحافظة الهادئة تاريخيًا إلى واحدة من أكثر المناطق اليمنية معاناةً من جرائم القتل والتعذيب والاختطاف والتجنيد القسري.

ففي تقريرٍ حقوقي حديثٍ صادر عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، كُشف الستار عن حصيلة مأساوية بلغت 24 ألفًا و827 واقعة انتهاك واعتداء ارتكبتها المليشيات الحوثية في محافظة ذمار وحدها، خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2015 حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

لطالما كانت ذمار مدينة للعلم والتاريخ والثقافة، تضم جامعة كبرى ومراكز تعليمية بارزة، لكنها اليوم – بحسب التقرير – تحولت إلى رمز للمعاناة الإنسانية، حيث يعيش سكانها بين الخوف والجوع والقهر، في ظل حكمٍ ميليشياوي لا يعترف بقانون ولا برحمة. "ذمار اليوم ليست كما كانت بالأمس.. فقد تحولت من مدينة للعلم إلى مدينة من الصمت والخوف، يكتب أهلها شهاداتهم على جدران السجون والمقابر."

التقرير الحقوقي، الذي جرى إعداده بالتعاون مع عددٍ من المنظمات الميدانية، يمثل من أوسع التوثيقات الحقوقية حول المحافظة التي تصفها الشبكة بأنها "بوابة الجنوب إلى صنعاء، تحولت إلى غابة من الخوف والرعب منذ دخول الحوثيين إليها".

وجاءت جرائم القتل خارج نطاق القانون في صدارة الانتهاكات الحوثية، إذ سجّل التقرير 536 حالة قتل، بينهم 53 طفلًا و37 امرأة، فيما أُصيب 298 مدنيًا بجروح متفاوتة، من بينهم 43 طفلًا و27 امرأة. كما وثّق التقرير 22 عملية اغتيال وتصفية استهدفت شخصيات اجتماعية وقبلية وسياسية، في سياق سياسة ممنهجة لإخضاع المجتمع المحلي وتفكيك نسيجه الاجتماعي.

أما على صعيد الاعتقالات والاختطافات، فقد أحصى التقرير 2341 حالة اختطاف منذ انقلاب المليشيات عام 2014، لا يزال 689 معتقلًا منهم خلف القضبان حتى اليوم، بينهم 138 حالة جديدة خلال العام الجاري وحده. ومن بين المختطفين – بحسب الشبكة – 97 سياسيًا و49 إعلاميًا وحقوقيًا، و78 تربويًا و89 عسكريًا و65 فلاحًا، فضلًا عن 19 طفلًا و32 شخصية اجتماعية وقبلية.

وأشار التقرير إلى أن مليشيا الحوثي أنشأت في المدينة وضواحيها 26 سجنًا عامًا وسريًا، إلى جانب 30 مقبرة جديدة تُعرف محليًا باسم "الروضات"، خصصت لدفن مقاتليها الذين تساقطوا في الجبهات. كما وثّق التقرير 128 حالة إخفاء قسري، و27 حالة أخذ رهائن، و4321 حالة توقيف تعسفي لمسافرين على الطرقات، في وقتٍ تحوّلت فيه المحافظة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية التي تعجّ بالحواجز ونقاط التفتيش الحوثية.

ومن أخطر ما تضمنه التقرير توثيق 18 حالة اغتصاب لنساء وأطفال، و274 حالة تعذيب نفسي وجسدي، بينها 12 وفاة تحت التعذيب و15 وفاة نتيجة استخدام المختطفين دروعًا بشرية في المعارك. كما وثق الفريق الحقوقي 4781 حالة تجنيد أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا، لقي 2019 طفلًا منهم حتفهم في جبهات القتال، فيما لا يزال 1855 طفلًا يقاتلون حتى الآن ضمن صفوف الحوثيين.

ورصد التقرير 2304 حالات اقتحام منازل، بينها 15 حالة حرق و267 عملية نهب، إلى جانب 176 حالة مصادرة ممتلكات خاصة و27 حالة نهب ممتلكات عامة. كما فجر الحوثيون 39 منزلًا و6 محلات تجارية، ودمروا مسجدين ودارًا لتحفيظ القرآن الكريم، في انتهاك صارخ لحرمة دور العبادة.

ولم تسلم المرافق الحكومية من العبث، إذ اقتحم الحوثيون 109 مؤسسات حكومية، وحولوا 12 منها إلى ثكنات عسكرية، كما استولوا على 38 منشأة مدنية لاستخدامها لأغراض عسكرية.

وأوضح التقرير أن مليشيا الحوثي ارتكبت 154 انتهاكًا بحق الإعلاميين وحرية الرأي والتعبير، أبرزها مصادرة وسائل إعلام محلية وتحويل مبنى وكالة "سبأ" إلى غرفة عمليات، كما حوّلت إدارة الإعلام بجامعة ذمار إلى مكتب تابع لها. وسُجلت 142 حالة انتهاك بحق نشطاء حقوق الإنسان، شملت 13 عملية قتل و57 حالة اعتقال و23 حالة تعذيب، ما دفع عشرات الحقوقيين إلى مغادرة المحافظة قسرًا.

التقرير أشار إلى أن المليشيات تنظر إلى ذمار باعتبارها "الخزان البشري" الذي يغذي جبهاتها بالقتلى، ما جعلها هدفًا مباشرًا لسياسات التعبئة الطائفية والتجنيد القسري، فضلًا عن فرض إتاوات مالية ضخمة على السكان والتجار لتمويل الحرب. كما وثّق التقرير 1304 حالة فرض رسوم غير قانونية، و455 حالة مصادرة مرتبات، و18 حالة حرمان من الخدمات، ما زاد من تدهور الوضع الإنساني في المحافظة.

الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أكدت أن هذه الأرقام تمثل "قمة جبل الجليد"، وأن هناك مئات الحالات الأخرى لم يُسمح بتوثيقها بسبب التعتيم الأمني والتهديدات المستمرة للمراقبين. وشددت في ختام تقريرها على أن جرائم الحوثيين في ذمار ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، داعيةً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها.