سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

تعز.. رصاصة خرجت من درج مدير الأمن

منذ 3 ساعات و 17 دقيقة

الجرائم الكبرى تبدأ بصمت ورقة تُركت في درج منسي. في 18 أغسطس 2025، قبل شهر واحد من مقتل افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة في تعز وابنة القنصل الفخري اليمني في إسطنبول، وصلت مذكرة رسمية موقّعة من المحافظ إلى مكتب مدير الأمن، تأمر بالقبض على المدعو محمد صادق المخلافي بعد أن هددها بالقتل. المذكرة بقيت حبيسة الأدراج، رغم أن افتهان أرسلت أكثر من عشر برقيات استغاثة للسلطات المحلية، بينما خرج التهديد إلى الشارع، وانتهى بجريمة اغتيال وحشية بأكثر من عشرين رصاصة.

كانت افتهان على وشك إبرام اتفاقيات لجلب تمويلات بملايين الدولارات لإنشاء مصنع لتدوير النفايات في تعز، وفق معلومات حصلنا عليها من مصادر صحفية. مشروع كهذا كان سيقلب الطاولة على ما يُعرف بـ “جنرالات القمامة”، وهم نافذون يسيطرون على عقود نقل النفايات ويستفيدون من الفوضى والصفقات الوهمية. بعبارة أخرى: كانت تحاول تنظيف المدينة من القمامة… ومن المستفيدين منها.

المواجهة تجاوزت ملف الفساد إلى صراع مباشر مع قوى الأمر الواقع. تؤكد مصادر أن افتهان اتخذت قرارًا بطرد أسرة المخلافي من مبنى حكومي كانوا يستولون عليه بالقوة. في مدينة تحكمها أعراف “البسط” أكثر من قوانين الدولة، كان ذلك تحديًا مباشرًا لعصابة مسلحة، كلفها حياتها.

شهادات متطابقة تشير إلى أن القاتل مجرد أداة في يد آخرين. “الرأس الكبير” يهمس فقط. يختار شابًا غاضبًا، ويقنعه أن رزقه قُطع بسبب هذه المسؤولة. وهكذا تتحول الرصاصة إلى الحل الأرخص لإسكات صوت مزعج، بينما يبقى المحرك الحقيقي للجريمة في الظل.

منذ بداية الحرب، فُتحت السجون في تعز، وارتدى المجرمون زيًا عسكريًا. كثيرون حصلوا على أرقام ورتب ورواتب. في ظل هذا المشهد، يصبح أمر القبض على مجرم أقرب إلى نكتة. “حاميها حراميها”، كما يصف مواطنون حال المدينة التي تحولت فيها الدولة إلى غطاء للجريمة المنظمة.

عندما تحركت قوات الأمن قبل ساعات، تحولت العملية إلى مهزلة كاملة. توجهت إلى “مربع الموت” شمال شرق المدينة، واشتبكت مع عشرات المسلحين، ثم انسحبت بعد أن خذلها الجيش والشرطة العسكرية، مكتفية بوعود من حماة القاتل بتسليم نفسه. وفق مصادر أمنية، يحتمي المخلافي بأكثر من مئتي مسلح مدججين بأسلحة ثقيلة، تجمعهم روابط عشائرية وعصبوية، ويحظون بدعم مالي من “رأس كبير” لم يُكشف عنه بعد.

المفارقة المؤلمة أن رئيس الجمهورية ينحدر من تعز، ورئيس البرلمان منها، وكذلك المحافظ. ومع ذلك، عجزت مؤسسات الدولة عن حماية موظفة حكومية واجهت الفساد وطلبت الحماية مرارًا. النتيجة أن “صعلوكًا واحدًا”، كما وصفه الأهالي، جعلهم جميعًا بلا قيمة.

اغتيال افتهان تجاوز كونه حادثة جنائية، ليصبح جريمة سياسية واجتماعية بحق مدينة كاملة. خسرت تعز صوتًا حاول أن يفرض القانون على الفوضى، وأثبتت أن الإفلات من العقاب أصبح قانونًا غير مكتوب يحكم المدينة. في النهاية، اكتشف الناس أن “الرجل الوحيد” الذي تجرأ على المواجهة… كان امرأة. والسؤال الآن: من التالي؟

من صفحة الكاتب على منصة إكس