سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

الانتحار الجمهوري؟

منذ ساعتان و 39 دقيقة

بعد اثنين وخمسين عاماً بالتمام والكمال، في 21 سبتمبر 2014، أطلّت الإمامة من جديد. عادت وقد تعلمت من دروس التاريخ، فاستخدمت شعارات العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد لتخدع الناس، قبل أن تكشف عن وجهها الحقيقي.

الغريب أن الجمهورية لم تسقط تحت ضرباتها، بل انتحرت بهدوء. كانت الإمامة الجديدة تتقدم، والجمهورية تتراجع؛ لأنها فقدت الإيمان بنفسها. في السنوات التي سبقت ذلك اليوم المشؤوم، شهدنا مسرحية مأساوية: جمهورية تفكك جيشها بيديها، وتدمر مؤسساتها بقراراتها. كانت تشبه رجلاً يحرق بيته ثم يتساءل عن سبب البرد.

كانت هناك وحدات عسكرية نوعية، ورثتها الجمهورية من عقود من الخبرة والتدريب. ألوية مدربة على حرب الجبال، التي كانت معقل الإمامة القديمة والجديدة. وحدات خفيفة سريعة، تعرف كل مسلك وكل طريق في تلك المرتفعات الشاهقة. لكن من جاؤوا بعد الثورة رأوا في هذه الوحدات شبح الماضي، فقرروا محوها. نقلوا الألوية الجبلية إلى الصحراء، في مشهد يذكرنا بمن يأخذ سمكة من البحر ويضعها في الصحراء، ثم يندهش لموتها.

الطامة الكبرى جاءت في لحظة فاصلة في التاريخ. عندما سقط لواء عسكري في عمران، وقُتل قائده، ونُهب سلاحه، بارك رئيس الجمهورية الحدث وقال إن الدولة وصلت أخيراً إلى عمران. في تلك اللحظة، انتحر المعنى في قلب كل جمهوري حقيقي. كان الأمر أشبه بأب يبارك قتل ابنه، أو بقائد يحتفل بهزيمة جيشه.

اليوم، ونحن نحيي الذكرى الثالثة والستين لثورة 26 سبتمبر الخالدة، نجد أنفسنا أمام مفارقة تاريخية مؤلمة. الثورة التي حررت اليمن من الإمامة في 1962، سقطت على يد الإمامة الجديدة في 2014؛ لأن الجمهورية فقدت الثقة في نفسها. هزمت ثورة سبتمبر شكوكها وأخطاؤها قبل أن يصل إليها الحوثيون. ذبلت الجمهورية تحت وطأة قرارات أبنائها قبل أن تواجه ضربات أعدائها.

في هذه الذكرى، نحتاج إلى تأمل صادق في أخطائنا أكثر من الخطب الرنانة عن مجد الثورة. نحتاج إلى فهم الحاضر وإصلاح المستقبل أكثر من تمجيد الماضي. ثورة 26 سبتمبر لم تمت، لكنها تحتاج إلى من يعيد إليها الروح، ويدرك أن الجمهورية مؤسسات تُبنى بصبر، وقيم تُحترم بثبات، وعدالة تُطبق بحكمة.

في الذكرى الثالثة والستين لثورة 26 سبتمبر، نحيي الثورة الخالدة، ونعترف أننا جميعاً شركاء في ضياعها.

من صفحة الكاتب على منصة إكس