عبدالسلام القيسي

عبدالسلام القيسي

تابعنى على

كوفة اليمن.. تعز والجدل الذي لا ينتهي

منذ ساعتان و 24 دقيقة

مرةً، علّق أحدهم على منشورٍ لي قبل سنواتٍ قائلًا إنّ تعز: كوفة اليمن.

لا يزال تعليقه حاضرًا في ذهني، عن الجدل بهذه المدينة، وقد يشبه في كل ظروفه ظروفَ كوفة العراق قبل وأثناء وبعد الفتنة الشاملة.

وقررت أن أفسّر هذه الحالة اليوم، بما نعيشه في هذه اللحظة.

اجتماعيًا، تشكّلت الكوفة من خليطٍ غير متجانس بعد الإسلام؛ الجيوش والقبائل والهويات والذوات: قيس ويمن، قحطان وعدنان، تميم وقريش، الأزد ومعد، وبقية الحيرة وبقايا الفرس وامتداد الشرق.

القبائل كلها قبيلةٌ قبيلة، والأفكار كلها، والفئات جميعها، اختصارٌ لكل الجزيرة العربية.

وكل طرفٍ يرى نفسه الأعزّ، والأوّل، وصاحب الحق والسلطة والسطوة والنفوذ.

وتعز تعيش ذات البنية؛ مدينة، منذ القدم وإلى الآن، جامعةٌ لكل التيارات الجمهورية والمدنية، وتمثّل امتدادًا اجتماعيًا لكل اليمن.

ولو قسنا ذلك على القبائل، فكلها آتية عبر العهدين القديم والجديد من الشمال وشماله، أو من مشرق البلاد ووسطها.

وافتقار تعز إلى مركزٍ قياديٍ جامع وثقلٍ رمزي، حوّلها إلى مدينةٍ لا تجتمع على شيء؛ لا على شخصٍ، ولا حول فكرة.

كان التنافر في الكوفة عصبيًا ودينيًا بين الملل والمذاهب، وفي مدينة تعز، التنافر حزبيٌّ وبعضه عصبي؛ فالإصلاح والمؤتمر والناصري والاشتراكي والبعثي، وعصبية شمالٍ وجنوبٍ، تمثّل ذلك كله مآل الكوفة.

ضجيجُ الكلام ذاته، فالكوفة أَعيت الدولةَ الإسلامية بالكلام، وتعز تتكلم كثيرًا بكلامها الموزون المفتقر للتنظيم، وتمتلئ بوفرة الناطقين كقادةٍ وقيادةٍ بلا فائدة.

تعيش تعز مصير الكوفة في الحرب حتى؛ فالكل في الكوفة كانوا عماد الدولة الإسلامية ورجال الفتوحات،

لولا أنهم اكتفوا بماضيهم في التضحية، وتحولوا من الحماسة إلى الخذلان،

كما يحدث في تعز، كونها الطلقة الأولى، لكنها صارت حاليًا فاقدةً للمعنى والبوصلة.

الجدل في الكوفة بين الشيعة والقدرية والخوارج والأموية والعلوية، ويمن وقيس، حوّلها من عاصمةٍ للفتح والخلافة إلى مدينةٍ هامشيةٍ يُولّى عليها الطغاة، ويرأسها السفّاحون درءًا للفتن.

والمدينة — تعز — تعيش ذات الجدل، والفارق أنّ الكوفة دخلت في الجدل بعد الفتح والحرب، بينما تعز لا تزال تعيش المعركة، وأخطر.

لا نريد للتاريخ أن يكتب عنوانه العريض: كوفة اليمن، تعز.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك