بين الجوع والوباء.. أطفال عمران يواجهون الموت بصمت

الحوثي تحت المجهر - Saturday 23 August 2025 الساعة 09:47 pm
عمران، نيوزيمن:

في أروقة مستشفى السلام بمدينة خمر شمال محافظة عمران، يتكدس أطفال هزيلو الأجساد على أسرّة صغيرة بالكاد تكفي لإنقاذ أنفاسهم الأخيرة. أمهات بملامح أنهكها الجوع والقلق يجلسن إلى جوارهم، يحملن بصمت نظرات استغاثة تعكس حجم المأساة التي تضرب المحافظة. هنا، حيث يتقاطع العجز الطبي مع الفقر المدقع، تتجلى واحدة من أقسى صور الأزمة الإنسانية في اليمن.

أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، في بيان لها عبر منصة "إكس"، عن تسجيل ارتفاع كبير في معدلات سوء التغذية الحاد بمحافظة عمران، مشيرة إلى أن مركز التغذية العلاجية الداخلي في مستشفى السلام بخمر استقبل منذ مطلع يناير 2025 أكثر من ألف حالة إصابة بسوء التغذية الحاد.

وقالت المنظمة إنها اضطرت إلى زيادة القدرة الاستيعابية للمركز بنسبة 120% لمواجهة تدفق الحالات المتزايدة، خصوصًا من الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم (SAM)، وسط انهيار شبه كامل في الخدمات الصحية.

وأوضح البيان أن الأزمة تفاقمت مع تراجع التمويل الدولي المخصص للبرامج الصحية، وانسحاب بعض المنظمات غير الحكومية، الأمر الذي حدّ من إمكانات مواجهة سوء التغذية الحاد المتوسط (MAM)، وأضاف: "العجز في إمدادات العلاج الخارجي يضع حياة الآلاف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات في دائرة الخطر."

وكان المستشفى ذاته قد حذّر في ديسمبر 2024 من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات العلاجية، وهو ما جعل قدرته على الاستجابة محدودة للغاية، في وقت تتزايد فيه الأعداد الوافدة يوميًا من مختلف مديريات المحافظة.

وبحسب أحدث تقرير صادر عن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في يونيو الماضي، فإن نحو 2.7 مليون شخص في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من سوء التغذية الحاد، بينهم 400 ألف حالة وخيمة، و 1.3 مليون حالة متوسطة، إضافة إلى ما يقارب مليون امرأة حامل ومرضعة يعانين من سوء التغذية.

تؤكد مشاهد المعاناة اليومية في عمران أن الأزمة لم تعد مجرد أرقام وتقارير، بل كارثة إنسانية متجددة، إذ تضطر أسر بأكملها لبيع ما تملك من ماشية أو مجوهرات بسيطة لتأمين رحلة علاجية محفوفة بالمخاطر إلى المستشفى الوحيد الذي ما زال يستقبل الحالات، وسط غياب البدائل في القرى والبلدات النائية.

ويخشى أطباء بلا حدود من أن استمرار نقص التمويل وانهيار المنظومة الصحية في اليمن سيؤديان إلى كارثة إنسانية أوسع نطاقًا، قد تتجاوز قدرة المستشفيات المحلية والمنظمات الدولية على احتوائها.

إلى جانب التحديات المرتبطة بتراجع التمويل الدولي، يشير عاملون صحيون وحقوقيون إلى أن سوء الإدارة ونهب المخصصات المالية من قبل القيادات الصحية المعيّنة من قبل الميليشيات الحوثية فاقم من تدهور المنظومة الصحية في محافظة عمران. وأكدت المصادر أن تلك القيادات حولت المستشفيات والمراكز الطبية إلى أدوات للجباية، في حين يتم رفض تنفيذ الحملات والبرامج الصحية المنقذة للحياة التي تقدمها بعض المنظمات الدولية، لأسباب سياسية أو لفرض شروط تعسفية. 

هذه الانتهاكات – إلى جانب الإجراءات التعسفية بحق الكوادر الطبية – أدت إلى شلل شبه كامل في الخدمات الصحية الأساسية داخل المحافظة، تاركة آلاف المرضى، ولا سيما الأطفال والنساء، في مواجهة مصير قاتم بلا رعاية أو حماية.