الحوثيون يتذرعون بـ"الاختراق الإسرائيلي" لتوسيع حملات القمع

السياسية - منذ 6 ساعات و 19 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

تواصل ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران حملة اعتقالات واسعة وغير مسبوقة في صنعاء ومحافظة الحديدة، مستهدفة مقرات ومنظمات أممية وإنسانية، في خطوة تبررها الجماعة بأنها جزء من "تحصين الجبهة الداخلية من الاختراق الإسرائيلي"، بينما يراها مراقبون محاولة لإحكام السيطرة الأمنية وابتزاز المجتمع الدولي.

وخلال اليومين الماضيين، نفذت الميليشيات حملات مداهمة واقتحامات لمقرات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إغاثية وإنسانية، وشرعت في اعتقال عدد من الموظفين المحليين والأمميين، وسط أنباء عن إخضاع بعضهم لتحقيقات مطولة بتهم "التجسس والعمل لصالح إسرائيل". وتحدثت مصادر متطابقة عن اعتقالات طالت 11 موظفًا في صنعاء والحديدة، إضافة إلى فرض الإقامة الجبرية على موظفين آخرين في منازلهم، في مشهد أعاد إلى الأذهان ممارسات سابقة استهدفت الكوادر الأممية والدبلوماسية في صنعاء.

خطاب الحوثي

هذا التصعيد برز بشكل واضح في خطاب زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، الأحد، والذي أعلن فيه تدشين ما أسماه "مرحلة جديدة من المعركة الأمنية"، بزعم تحصين الجبهة الداخلية من الاختراق الإسرائيلي. وقد تعهد الحوثي في خطابه بتوسيع نطاق ما وصفها بالإجراءات "الاستباقية" لملاحقة من يصفهم بـ"الخونة والعملاء"، متوعدًا باتخاذ إجراءات مشددة تطال مختلف الفئات تحت ذريعة حماية الأمن القومي.

الخطاب عكس حجم الارتباك الذي تعيشه الجماعة بعد سلسلة التطورات العسكرية والسياسية الأخيرة، خصوصًا بعد مقتل رئيس حكومتها غير المعترف بها أحمد غالب الرهوي في الغارة الإسرائيلية على صنعاء وعدد الوزراء والقيادات الحكومية والعسكرية. ويعتقد هؤلاء أن الحوثي يحاول من خلال "المعركة الأمنية" صرف الأنظار عن الانكشاف الكبير الذي أصاب جماعته، وإظهار نفسه بموقع "الممسك بزمام المبادرة"، رغم حالة التصدع الداخلي.

كما أن استخدام شعار "الاختراق الإسرائيلي" جاء بحسب محللين كغطاء سياسي وأمني لشرعنة حملة المداهمات والاعتقالات الواسعة، خصوصًا أن الجماعة درجت على إلصاق تهم "التجسس والعمل لصالح الخارج" بكل من يعارض سياساتها أو يطالب بالشفافية في إدارة الملف الإنساني. ويؤكد هؤلاء أن هذه التهم الجاهزة تمنح الحوثيين مبررًا لقمع الأصوات المنتقدة في الداخل، وإرهاب العاملين في المجال الإنساني والدولي.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن الجماعة لجأت خلال السنوات الماضية إلى ذات الأسلوب في التعامل مع المعارضين والناشطين، إذ كانت تبرر اعتقالهم بارتباطات خارجية مزعومة. إلا أن الجديد في هذه المرحلة هو اتساع نطاق الحملة لتشمل موظفين دوليين وأمميين، ما يكشف عن تصعيد غير مسبوق قد يهدد مستقبل العمل الإنساني في اليمن.

ويؤكد المراقبون أن هذا النهج يعكس رغبة الحوثيين في إحكام السيطرة الأمنية على صنعاء والمناطق الخاضعة لهم، والتضييق أكثر على المنظمات الدولية، خاصة بعد تفاقم الانتقادات المحلية والدولية لفسادهم في إدارة المساعدات الإغاثية وابتزاز العاملين فيها. وبذلك، فإن خطاب الحوثي لا يُقرأ فقط كإعلان أمني، بل كرسالة سياسية موجهة للداخل والخارج مفادها أن الجماعة ماضية في سياسة "القبضة الحديدية" لمواجهة أي تهديدات حقيقية أو متخيلة.

إدانة أممية 

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أدان بشدة حملة اعتقالات جديدة نفذتها جماعة الحوثيين، طالت ما لا يقل عن 11 موظفاً من موظفي الأمم المتحدة في صنعاء والحديدة، تزامناً مع اقتحام مقرات أممية والاستيلاء على ممتلكاتها.

وقال غروندبرغ في بيان صادر عن مكتبه، إن هذه الاعتقالات تأتي إضافة إلى 23 موظفاً أممياً لا يزالون رهن الاحتجاز منذ أعوام، بينهم معتقلون منذ 2021 و2023، فضلاً عن موظف توفي أثناء احتجازه مطلع العام الجاري. وأكد أن مثل هذه الإجراءات "تعيق بشدة الجهود الإنسانية ومساعي السلام في اليمن"، وتمثل "انتهاكاً لسلامة وكرامة موظفي الأمم المتحدة".

وجدد المبعوث الأممي مطالبته بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة، ومن العاملين في المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية، مشدداً على أن حماية الكوادر الإنسانية والدولية "أولوية لا يمكن التهاون فيها".

من جانبه شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على أن احترام حرمة مقار الأمم المتحدة وموظفيها يُعد التزامًا قانونيًا على جميع الأطراف وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني، محذرًا من أن استمرار هذه الممارسات سيؤثر سلبًا على قدرة المنظمة الدولية ووكالاتها الإغاثية على إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى ملايين اليمنيين الذين يعتمدون عليها بشكل أساسي. كما حث المجتمع الدولي على ممارسة مزيد من الضغوط لضمان التزام الحوثيين بتعهداتهم الإنسانية ووقف استهداف العاملين في المجال الإغاثي.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت مرارًا من تكرار استهداف موظفيها في مناطق سيطرة الحوثيين، خاصة بعد أن احتجزت الجماعة العشرات من كوادرها خلال الأعوام الماضية، ولا يزال بعضهم في السجون منذ 2021. وتشير المعطيات الحالية إلى أن الموجة الجديدة من الاعتقالات قد تكون الأعنف والأوسع نطاقًا، ما يفاقم المخاوف بشأن مستقبل العمل الإنساني في اليمن.

حملة مسعورة 

من جهتها، وصفت الحكومة اليمنية على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، هذه الاعتقالات بأنها "حملة مسعورة" تشنها مليشيات الحوثي المدعومة من إيران ضد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

وقال الإرياني في تصريح صحفي: أن هذه الانتهاكات تأتي في سياق "سجل طويل من التنكيل بالعاملين في المجال الإغاثي والإنساني"، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي الإنساني وكافة الأعراف والمواثيق الدولية، مؤكداً أن استمرار هذه الممارسات يهدد عمل المنظمات الإنسانية في اليمن برمته. ولفت الإرياني إلى أن الحكومة اليمنية كانت قد حذرت مراراً من خطورة استمرار مقرات المنظمات الدولية في مناطق سيطرة الحوثيين، داعياً إلى نقلها إلى العاصمة المؤقتة عدن حيث البيئة الآمنة والمستقرة لعملها.

وطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لضمان سلامة الموظفين الأمميين والدوليين، داعياً الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ودول العالم كافة إلى اتخاذ خطوات عملية لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية عالمية، وتجفيف منابع تمويلها، بما يضع حداً لانتهاكاتها الممنهجة بحق الشعب اليمني والقطاع الإنساني.