اليمن يتحول إلى ممر إقليمي للمخدرات.. الحوثيون يقودون مشروعاً منظماً لإغراق المنطقة بالسموم

السياسية - منذ ساعتان و 39 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

لم تعد مسألة تهريب المخدرات مجرد عمليات محدودة أو فردية، بل تحولت إلى مشروع إجرامي منظم تديره ميليشيا الحوثي الإيرانية، ويهدف إلى تحويل البلاد إلى محور رئيسي لتصنيع وتوزيع المخدرات في المنطقة. هذا المشروع لم يعد يقتصر على الاستفادة المالية فقط، بل أصبح أداة استراتيجية لتمويل الحروب، وزرع الفوضى، وتجنيد الشباب المدمنين كجنود في صفوف الميليشيا.

وتشير البيانات الأخيرة للإدارة العامة لمكافحة المخدرات في اليمن إلى تصاعد غير مسبوق في عمليات التهريب. ففي محافظة لحج وحدها، ضبطت القوات الأمنية والعسكرية مؤخراً 314 كيلوغراماً من مادة الشبو، و25 كيلوغراماً من الهيروين، و108 كيلوغرامات من الحشيش، عقب اشتباك مباشر مع المهربين في عرض البحر. كما تم ضبط 432 كيلوغراماً من مادة الشبو في سواحل البحر الأحمر وباب المندب، إلى جانب ضبط قارب محمّل بـ28 ألف قرص بريغابالين و150 ألف حبة كبتاغون. وفي منفذ الوديعة أحبطت الأجهزة الأمنية محاولة تهريب 13,750 قرص كبتاغون داخل شاحنة قادمة من صنعاء متجهة إلى السعودية.

وفي محافظة المهرة، كشفت الأجهزة الأمنية عن أول مصنع متكامل لإنتاج مادتي الكبتاغون والشبو، وألقت القبض على ستة يمنيين مرتبطين بشبكات تمويل حوثية، بالإضافة إلى خبراء أجانب سبق ضبطهم في المحافظتين، في مؤشر واضح على تزايد نشاط مصانع المخدرات داخل مناطق سيطرة الحوثيين. وفي وقت سابق من سبتمبر، ضبطت قوات العمالقة في باب المندب 28,500 قرص بريغابالين خلال مداهمة نوعية بالتنسيق مع الحملة الأمنية المشتركة في لحج، ما يوضح حجم العمليات المنظمة التي تنفذها الميليشيا.

تحذير رسمي

حذّرت السلطات اليمنية من مخطط حوثي ممنهج لإغراق البلاد والمنطقة بالمخدرات، مؤكدة أن اليمن لم تعد مجرد نقطة عبور أو سوق محلية، بل أصبحت وجهة رئيسية لشبكات ومافيات المخدرات الإقليمية بعد أن تلقت هذه العصابات ضربات موجعة في سوريا، ما دفعها إلى تحويل أنظارها نحو اليمن للاستفادة من الفوضى الأمنية وانخفاض الرقابة على الحدود والموانئ.

وأشار العميد عبد الله لحمدي، مدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، إلى أن العمليات الأمنية الأخيرة كشفت عن «تحول خطير» في نمط تهريب وتصنيع المخدرات، حيث لم تعد العمليات عشوائية أو محدودة بل أصبحت مشروعاً إجرامياً منظمًا، يمتد عبر المحافظات ويتضمن شبكات دولية وداخلية، ويشمل تصنيع المواد المخدرة في مصانع سرية ضمن مناطق سيطرة الحوثيين. وأضاف لحمدي أن المعلومات الاستخباراتية تؤكد وجود مصانع نشطة قادرة على إنتاج كميات ضخمة من المخدرات، ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الوطني وللمنطقة بأكملها، ويعكس حجم التنظيم والتمويل الذي تصل إليه هذه الشبكات الحوثية.

كما أظهرت المضبوطات الأخيرة خطورة النشاط الإجرامي المتصاعد، حيث تم ضبط 599 كيلوغراماً من الكوكايين النقي مخبأة داخل شحنة سكر واردة من البرازيل، إضافة إلى إحباط محاولة تهريب 646 ألف حبة بريغابالين مخبأة في مركبة بأحد مديريات عدن. وتدل هذه العمليات على اتساع نطاق شبكات التهريب الحوثية، وربطها بمصادر تمويل دولية، ما يعكس طبيعة الجريمة المنظمة متعددة الجنسيات التي تستغل الفوضى في اليمن للانتشار والتوسع.

وحذر العميد لحمدي من أن استمرار هذه العمليات لا يقتصر على الأضرار الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل يشكل تهديداً مباشراً للصحة العامة للشباب والمجتمع، ويزيد من معدلات الإدمان والجريمة، ويحول اليمن إلى منصة لتهريب المخدرات إلى دول الجوار والعالم، ما يستدعي تكثيف الجهود المحلية والدولية لمواجهة هذه الشبكات الخطرة.

التمويل عبر المخدرات للحرب الحوثية

تعتمد ميليشيا الحوثي الإيرانية على تجارة المخدرات الدولية كأداة تمويل رئيسية لأنشطتها العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، إذ تُستثمر الأرباح الكبيرة الناتجة عن تهريب وتوزيع المخدرات في شراء الأسلحة والذخائر وصيانة المعدات العسكرية، بالإضافة إلى دفع رواتب المقاتلين، ما يضمن استمرار العمليات القتالية دون توقف. ولا يقتصر هذا التمويل على الجانب العسكري، بل يشمل إنشاء شبكات لوجستية وتجارية معقدة تتيح للحوثيين السيطرة على طرق التهريب البحرية والبرية، وربط اليمن بأسواق المخدرات الإقليمية والدولية.

وتشير تقارير المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود إلى أن الميليشيا تشرف بشكل مباشر على تجارة الهيروين والقنب والكبتاغون، وتتحكم في مراحل الإنتاج والتهريب، بما يضمن عوائد مالية ضخمة مستمرة. كما تستخدم المخدرات كأداة استراتيجية لتعزيز الولاء والانضباط داخل صفوف مقاتليها، بما في ذلك الأطفال والشباب، إذ يتم تزويدهم بحبوب الكبتاغون قبل القتال لتعزيز قدرتهم على التحمل وزيادة عدوانيتهم، ما يجعلهم أكثر طاعة وانخراطاً في النزاع.

ولا يقتصر تأثير هذه العمليات على الجوانب العسكرية فحسب، بل يمتد ليشمل النسيج الاجتماعي اليمني، حيث تساهم المخدرات في تفشي الإدمان بين الشباب، وتفكيك الأسر، وزيادة معدلات الجريمة والعنف، مما يخلق بيئة اجتماعية هشّة يسهل من خلالها استغلال الأطفال والمراهقين في الصراع. وبهذا الشكل، تتحول تجارة المخدرات إلى سلاح مزدوج: تمويل مباشر للحرب، وأداة لتدمير المجتمع اليمني من الداخل، بما يترك تداعيات مدمرة على مستقبل الشباب واستقرار البلاد على المدى الطويل.

تحرك دولي موحد

استجابةً للتهديد المتزايد الذي تشكله شبكات تهريب المخدرات الحوثية على اليمن والمنطقة، كثفت عدة دول جهودها لدعم القوات اليمنية، وأعلنت السعودية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تقديم أكثر من 10 ملايين دولار لتعزيز قدرات خفر السواحل اليمني. ويأتي هذا الدعم ضمن برامج إقليمية وثنائية تهدف إلى تأمين الحدود البحرية ومكافحة التهريب في البحر الأحمر وخليج عدن، اللذين يمثلان أحد أهم الممرات البحرية العالمية للتجارة الدولية، ويشهدان نشاطاً متزايداً لعصابات التهريب والقرصنة.

ويشمل الدعم الدولي تعزيز القدرات العملياتية والتدريبية لقوات خفر السواحل اليمنية، وتزويدها بالمعدات والتقنيات الحديثة اللازمة لمراقبة السواحل والمياه الإقليمية، بما يمكنها من مواجهة محاولات تهريب المخدرات والأسلحة والقرصنة البحرية بشكل أكثر فعالية. كما يتيح هذا الدعم تعزيز التنسيق بين القوات البحرية اليمنية والجهود الدولية المشتركة لمكافحة تهريب المخدرات، ما يسهم في قطع خطوط تمويل الحوثيين وتقليص نشاط المافيات الإقليمية.

المؤتمر الدولي الخاص بشراكة الأمن البحري اليمني أوصحى بإنشاء أمانة خاصة لإدارة الدعم الدولي وتنسيق الجهود بين مختلف الجهات المانحة والحكومة اليمنية، ما يعزز القدرة على متابعة استخدام التمويلات بدقة وضمان وصولها إلى وجهتها الصحيحة. ويتيح هذا البرنامج تطوير الأداء الميداني لقوات خفر السواحل، وتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية ملموسة للمجتمعات الساحلية، من خلال تقليل مخاطر تهريب المخدرات والقرصنة والاتجار بالبشر، وتحسين الظروف الأمنية والاقتصادية في هذه المناطق.

ويشكل هذا التحرك الدولي خطوة استراتيجية لمواجهة المخاطر التي يفرضها الحوثيون على حرية الملاحة والتجارة الدولية، ويؤكد على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في حماية الممرات البحرية الحيوية وضمان استقرار المنطقة، في وقت تزداد فيه التحديات الأمنية بفعل النشاط المتصاعد لشبكات التهريب الممولة من قبل الميليشيات.