تحليل: لبنان على حافة مواجهة جديدة

العالم - منذ 3 ساعات و 15 دقيقة
بيروت، نيوزيمن:

في خضمّ التصعيد المتواصل بين حزب الله وإسرائيل، تتزايد التحذيرات الدولية من انزلاق لبنان إلى مواجهة جديدة قد تكون الأخطر منذ حرب 2006. فالحزب يصرّ على الاحتفاظ بسلاحه ورفض أي تسوية تُضعف نفوذه العسكري، في وقت تتحرك فيه الولايات المتحدة ومصر بشكل متسارع لتفادي انفجارٍ شامل قد يغيّر ملامح الأمن في المنطقة.

ويرى مراقبون أن لبنان يقف اليوم أمام مفترق مصيري، حيث يتقاطع العامل الداخلي المأزوم مع ضغوط خارجية متصاعدة تسعى إلى إعادة رسم توازن القوى في المشرق العربي.

يؤكد الكاتب والباحث السياسي نضال السبع أن لبنان يعيش مرحلة غاية في الحساسية، إذ يواجه حزب الله أزمة متفاقمة بسبب رفضه تسليم السلاح أو الدخول في أي تسوية تقلّص نفوذه العسكري. ويقول السبع في حديثه إن الحزب "لم يدرك بعد تداعيات السابع من أكتوبر وما أحدثه من تحولات إقليمية عميقة في موازين القوى، خصوصاً بعد تراجع الدعم السوري وتزايد الضغوط الإيرانية".

ويرى أن الحزب ما زال أسير فكرة قديمة عن قدراته، بينما تغيّر الواقع الميداني بشكل جذري، مع سقوط سوريا وتآكل خطوط الدعم اللوجستي عبرها. ويضيف: "نتنياهو خرج منتصراً في غزة، وحزب الله تلقى ضربة استراتيجية موجعة، لكنه يتصرّف كما لو أنه ما زال يملك زمام المبادرة".

وبحسب نضال السبع، فإن أجهزة الأمن المصرية نقلت إلى بيروت تحذيرات وُصفت بأنها "شديدة الخطورة"، تفيد بأن شيئًا كبيرًا يُحضّر للبنان، داعية الحكومة إلى التعاطي مع التهديدات الإسرائيلية بواقعية وجدية. ويكشف أن رئيس المخابرات المصرية سيزور بيروت قريبًا حاملاً هذه الرسائل، في إطار مساعٍ لفتح خطوط تواصل غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل، على أمل تجنّب المواجهة.

كما يشير السبع إلى أن زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت جاءت ضمن مهمة عاجلة تهدف إلى منع الانزلاق نحو الحرب، موضحًا أنها وصلت "برفقة ضباط إسرائيليين إلى مناطق حدودية في الجنوب، في رسالة واضحة بأن ملف سلاح حزب الله أصبح مطروحًا على الطاولة بجدية".

ويكشف نضال السبع، نقلًا عن مرجع حكومي لبناني رفيع، أن المبعوثة الأميركية حملت مهلة زمنية لا تتجاوز أسبوعًا واحدًا لسحب سلاح الحزب، وهو ما وصفه المرجع بأنه "طلب غير واقعي ولا يتناسب مع تعقيدات الملف اللبناني".

ويضيف السبع أن الحكومة اللبنانية لا تملك معلومات دقيقة عن مستودعات السلاح التابعة للحزب، وأن التنسيق يجري عبر "آلية أميركية – إسرائيلية" معقّدة تتطلب وقتًا طويلًا.

وفي المقابل، يلفت إلى أن بيروت أبدت استعدادًا لإحياء اتفاق 27 نوفمبر الذي أرسى وقفًا لإطلاق النار قبل عام، مشيرًا إلى أن "مرجعًا حكوميًا قال صراحة: لا فرق بين المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، ما دام الأميركيون ينقلون الرسائل في الغرفة نفسها".

وفي تحليل أمني لافت، يوضح نضال السبع أن حزب الله يعاني من اختراق أمني خطير، واصفًا حالته بـ "السرطانية التي أصابت بنيته بعد نجاح إسرائيل في اغتيال ستة من كبار قادته خلال 48 ساعة فقط". ويقول السبع إن هذه الاغتيالات كشفت هشاشة منظومة الأمن الداخلي للحزب، وإن أي صاروخ يطلقه اليوم لا يمكن تعويضه بسبب انهيار خطوط الإمداد عبر سوريا وتراجع الدعم الإيراني.

ويضيف أن الحزب قد يتمكن من تجنيد عناصر بشرية جديدة، لكنه يواجه أزمة مالية خانقة نتيجة تشديد الرقابة على التحويلات من إيران وعلى منافذه البحرية والجوية، ما يجعل إعادة ترميم ترسانته العسكرية شبه مستحيلة.

على الصعيد الداخلي، يسلّط السبع الضوء على انقسام الموقف اللبناني الرسمي إزاء ملف السلاح. فالرئيس نبيه بري، كما يقول، يميل إلى التهدئة والتسوية السياسية، بينما يتبع قائد الجيش جوزيف عون "سياسة النفس الطويل" سعيًا لاحتواء الأزمة بهدوء.

أما رئيس الحكومة نواف سلام فيظهر – بحسب السبع – "أكثر استعجالًا في حسم الملف خلال عام واحد لتجنيب لبنان مواجهة عسكرية مع إسرائيل". ويشير الباحث إلى أن هذا التباين يعقّد المشهد السياسي، ويجعل الدولة اللبنانية تبدو عاجزة عن بلورة موقف موحد تجاه مصير سلاح الحزب.

في ختام تحليله، يرى نضال السبع أن لبنان يقف أمام مفترق طرق خطير: فإما أن ينجح في فتح مسار تفاوضي يضمن خفض التوتر وتحييد البلاد عن الصراع، أو أن ينزلق إلى مواجهة ميدانية لا تُعرف حدودها. ويقول: "المنطقة تغيّرت، لكن حزب الله لم يتغيّر. استمرار رفضه تسليم السلاح سيجعل من لبنان ساحة مفتوحة لحرب قادمة، ما لم يتم التوصل إلى صيغة تفاهم تُنقذ البلاد من الانفجار".