محللون سياسيون لـ "نيوزيمن": الحوثي والإخوان يوظفان القاعدة لضرب الاستقرار في الجنوب

السياسية - منذ ساعتان و 27 دقيقة
شبوة، نيوزيمن، خاص:

تصاعدت في الأسابيع الأخيرة الهجمات الإرهابية في محافظة شبوة جنوبي اليمن، في موجة من العنف المتزامن الذي يرجّحه مراقبون واستراتيجيون أنه رد فعل من مجموعات متفرقة على الانهيار النسبي لخطوط إمدادها التقليدية إثر تقدم القوات الجنوبية وسيطرتها على مناطق استراتيجية في الجنوب والشرق، لا سيما وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة.

ويُنظر إلى هذه الهجمات على أنها محاولة يائسة لإرباك المنظومة العسكرية والأمنية الجنوبية ورفع كلفة المواجهة العسكرية بعد أن فقدت الجماعات الإرهابية وشبكاتها الموارية التي اعتمدتها لعقد من الزمن ممرات الحركة والإمداد.

وعلى مدى الأسابيع الماضية، شن تنظيم القاعدة هجمات متنوعة في محافظتي شبوة وأبين، بما في ذلك كمائن، هجمات مباشرة، وإطلاق نيران مدفعية خفيفة وثقيلة، في محاولة واضحة لإرباك القوات الجنوبية وإحداث فجوة في تقدمها العسكري والسياسي.

ويربط مراقبون بين تصعيد القاعدة في شبوة وبين تحركات متزامنة لجماعات مسلحة موالية لتنظيم الإخوان المسلمين كانت متمركزة في معسكر عرين بضواحي شبوة من جهة محافظة مأرب، بالإضافة إلى تحركات ميليشيا الحوثي الإيرانية من جهة محافظة البيضاء. ويرون أن هذه التحركات لا تأتي بمنأى عن بعضها، بل تمثل محورًا تكامليًا للتأثير على المشهد الأمني في الجنوب.

ويقول محللون عسكريون إن تنظيم القاعدة، الإخوان، والحوثي يبنون استراتيجياتهم على استهداف المنشآت العسكرية الجنوبية، قوافل الإمداد، والطرق الحيوية، وتنفيذ عمليات تفخيخ إجرامية أو هجمات مسيرة أو منسقة غادرة ضد القوات المشاركة في الحرب ضد الإرهاب في شبوة وأبين في محاولات فاشلة منهم لإرهاق القوات أو إضعاف سيطرتها على المناطق التي كانت تشكل سابقًا شبكات للتهريب والدعم اللوجستي. 

وقد استفادت تلك الشبكات بشكل كبير من وجود معسكرات وممرات خلفية تربط بين مناطق النفوذ في مأرب والبيضاء وشبوة وحضرموت، لكنها تآكلت جزئيًا مع تقدم القوات الجنوبية إلى مواقع ذات أهمية استراتيجية، ما دفع الجماعات المسلحة إلى اللجوء إلى هجمات غير تقليدية وتنظيم خلايا نائمة لتوجيه ضربات مفاجئة.

ويرى محللون أن التحركات الإرهابية المكثفة في شبوة وأبين ليست بمعزل عن التحركات الأمنية والعسكرية الجنوبية لقطع خطوط الإمداد العسكري المستخدمة خلال العقد الماضي من قبل التنظيمات المسلحة، سواء في وادي حضرموت، المهرة، أو شبوة. فقد مثلت تلك المناطق ممرات إمداد، تمويل، وتجنيد لعناصر أنشطة إرهابية متعددة، قبل أن تتقدم القوات الجنوبية وتفرض سيطرتها عليها.

تمزق خلايا الإرهاب

ويؤكد الباحث والمحلل السياسي، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،صالح أبوعوذل، أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تعرض لسلسلة من الانتكاسات المتتالية، بدأت فعليًا من مدينة عدن في العام 2016م، ثم امتدّت إلى لحج وأبين وشبوة وحضرموت، في مسار انحداري كشف تآكل قدرته على المناورة والتمركز.

وأضاف في تصريح لـ"نيوزيمن" أنه ومنذ عملية تحرير وادي المسيني، في محافظة حضرموت، مرورًا بعملية الجبال البيضاء في شبوة، وصولًا إلى عملية سهام الشرق في أبين، ظلّ التنظيم تحت ضغط ميداني متواصل، أفقده تباعًا ملاذاته التقليدية، ودفعه إلى التراجع نحو مناطق أكثر وعورة في جبال أبين وشبوة، حيث تُلاحقه القوات الجنوبية في آخر أوكاره".

وأشار إلى أن الهجوم الأخير الذي نفّذه تنظيم القاعدة في وادي حضرموت لم يكن مؤشر قوة، بقدر ما عكس حالة الانكشاف والارتباك التي يعيشها التنظيم، إذ بدا واضحًا أنه كان يتحرك في آخر معقل له، وفي ملاذ أمني أخير. ومع سقوط المنطقة العسكرية الأولى، خسر التنظيم هذا الغطاء، فلم يجد أمامه سوى تسجيل حضور إعلامي محدود عبر هجوم أو اثنين، مستخدمًا طيرانًا مسيّرًا إيراني الصنع، في محاولة يائسة لإثبات الوجود لا أكثر.

وأوضح أبو عوذل أن ما تحقق في وادي حضرموت والمهرة يُعدّ خطوة استراتيجية بالغة الأهمية، ليس فقط على مستوى مكافحة الإرهاب، بل في إطار حماية هذه المناطق وقطع أحد أهم شرايين التهريب التي كانت تغذي جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة على حد سواء. وهذا التحول الميداني فتح نافذة واقعية لإمكانية إخراج الحوثيين من صنعاء، بالتوازي مع تجفيف آخر معاقل القاعدة، وهو الهدف الذي عملت عليه القوات الجنوبية منذ وقت مبكر، وها هي نتائجه بدأت تظهر للعلن بوضوح".

ورقة مكشوفة 

ويرى الكاتب والمحلل السياسي باسم الشعيبي أن عودة الحديث عن "الإرهاب" في الجنوب ليست سوى إعادة إحياءٍ لسيناريو قديم استخدم مرارًا منذ حرب صيف 1994، حين لجأت قوى الشمال إلى توظيف ورقة الإرهاب كأداة سياسية لتشويه صورة الجنوب والنيل من قضيته. 

ويؤكد الشعيبي في تصريحٍ لـ"نيوزيمن" أن ورقة الإرهاب أصبحت السلاح الأكثر استخدامًا من قبل الأطراف المعادية للمشروع الجنوبي، إذ تُستدعى في كل مرة يحقق فيها الجنوب تقدمًا أمنيًا أو سياسيًا ملموسًا على الأرض، في محاولة لخلط الأوراق وعرقلة مسار تثبيت الاستقرار.

ويضيف الشعيبي متسائلًا بمرارة: "ما هذا الإرهاب العجيب الذي يتخذ من وادي عبيدة في مأرب الخاضعة لسيطرة الإخوان، ومن مناطق في البيضاء الخاضعة للحوثيين منطلقًا له، لكنه لا يوجّه عملياته إلا نحو القوات الجنوبية؟"، مشيرًا إلى أن هذا النمط الانتقائي من العمليات يثير الكثير من الشكوك حول طبيعة الجهات التي تحرّكه، خصوصًا أن سجل السنوات العشر الماضية لم يشهد أي هجمات لهذا التنظيم ضد الحوثيين أو الإخوان، في حين تتصاعد وتيرة نشاطه كلما تحركت القوات الجنوبية لفرض الأمن أو دحر الجماعات المتطرفة من مناطق نفوذها.

ويرى المحلل أن هذه المحاولات الحوثية–الإخوانية المتزامنة تستهدف قبل كل شيء ضرب الثقة بجهود القوات الجنوبية التي نجحت في تحقيق مستوى غير مسبوق من الاستقرار في محافظات عدن وأبين ولحج وشبوة، وهي نجاحات بدأت تحظى باعتراف إقليمي ودولي. لذلك، فإن إعادة تدوير خطاب الإرهاب وتصوير الجنوب كمنطقة غير آمنة هو جزء من حملة دعائية ممنهجة تهدف إلى إرباك المشهد الأمني والسياسي، وتشويه منجزات الجنوب أمام الداخل والخارج على حد سواء.

ويخلص الشعيبي إلى أن توظيف الإرهاب كأداة ضغط سياسية أصبح اليوم ورقة مكشوفة، إذ لم يعد هدفها مكافحة التطرف بقدر ما تهدف إلى تسييس ملف الأمن، وتقديم الجنوب على أنه عاجز عن إدارة مناطقه. إلا أن الوقائع الميدانية –بحسبه– تؤكد العكس تمامًا، فالقوات الجنوبية هي التي تتصدر اليوم جبهات محاربة التنظيمات الإرهابية وتدفع ثمن ذلك من دماء جنودها، بينما تبقى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين والإخوان هي المصدر الأبرز لتمويل الإرهاب وتغذيته.

تحالف مصالح 

ويرى الكاتب والمحلل السياسي ماجد الداعري أن تصاعد الهجمات الإرهابية في محافظات الجنوب خلال الفترة الأخيرة ليس إلا محاولة يائسة لاستعادة زمام المبادرة من قبل ما وصفه بـ"تحالف الشر الثلاثي" المكوَّن من الحوثيين والإخوان وتنظيم القاعدة. 

ويؤكد الداعري في تصريح لـ"نيوزيمن" أن التنظيم الإرهابي تلقّى خلال السنوات الماضية ضربات قاصمة وموجعة على يد القوات الجنوبية التي نجحت، عبر عمليات نوعية دقيقة، في تفكيك معاقل رئيسية ظلت محصنة لسنوات طويلة في أبين وشبوة ووادي حضرموت. إلا أن ما يشهده الجنوب اليوم من محاولات لإحياء نشاط القاعدة، وفق قوله، يأتي بدعم مباشر وغير مباشر من الحوثيين والإخوان ضمن علاقة تنسيق مصلحية تجمعهما بهدف واحد: زعزعة الأمن وإفشال جهود الاستقرار في المحافظات الجنوبية.

ويضيف الداعري أن هذا التحالف الإرهابي يعمل في المرحلة الراهنة على إعادة توظيف الإرهاب كأداة سياسية وعسكرية لضرب الأمن في المحافظات الغنية بالموارد مثل شبوة وحضرموت والمهرة، كونها تشكّل العصب الاقتصادي للجنوب. ومشيرًا إلى إن الحوثيين والإخوان يدركون أن أي استقرار أمني واقتصادي في تلك المحافظات سيُضعف نفوذهم ويُفقدهم أدوات الضغط والمساومة، لذلك يسعون إلى إرباك المشهد عبر التفجيرات والعبوات الناسفة وتغذية العصابات المسلحة التي تنشط تحت مظلتهم.

ويشير إلى أن اللجوء مجددًا إلى ورقة القاعدة والإرهاب يكشف حجم الضعف والانكسار الذي يعيشه هذا التحالف، وأن التصعيد الحالي لا يعكس قوةً بقدر ما يعكس ارتباكًا في صفوف الجماعات المعادية للجنوب بعد خسارتها مواقع استراتيجية وتراجع قدرتها على المواجهة المباشرة. ويرى الداعري أن القوات الجنوبية باتت اليوم أكثر خبرة وجاهزية في التعامل مع هذه المخططات، مستفيدة من تجاربها السابقة في محاربة التنظيمات الإرهابية، ومؤكدًا أن المرحلة المقبلة ستشهد تنفيذ خطط أمنية وعسكرية جديدة في وادي حضرموت وشبوة وأبين لتطهير ما تبقى من بؤر إرهابية وتأمين المدن والمنشآت الحيوية.

ويختتم الداعري بالتأكيد على ضرورة الاصطفاف الجنوبي الكامل خلف القوات الأمنية والعسكرية في مواجهة هذه المخاطر، مشددًا على أن الحفاظ على المكاسب الأمنية والسياسية المتحققة هو السبيل لبناء جنوب آمن مستقر خالٍ من الإرهاب الحوثي والإخواني والداعشي، وأن نجاح الخطط الأمنية الراهنة سيقود حتمًا إلى مرحلة من الاستقرار والتنمية الشاملة تعزز الأمن الاقتصادي والخدماتي وتُنهي إرث الفوضى وتهريب السلاح والممنوعات من المحافظات المحررة.