الخط الأصفر" في غزة.. أزمة سياسية وإنسانية على خريطة القطاع

العالم - Friday 26 December 2025 الساعة 06:31 pm
غزة، نيوزيمن:

تحوّل ما يعرف بـ "الخط الأصفر" في قطاع غزة من مجرد مصطلح تقني عسكري إلى عنوان أزمة سياسية وقانونية وإنسانية مفتوحة، إذ أصبح محور جدل واسع حول مستقبل القطاع وحدوده ووظيفته الديموغرافية. وفق تقارير لوكالات دولية ومصادر سياسية مطّلعة، يشمل هذا الخط ونطاقاته الأمنية ما بين 52 و58 في المئة من مساحة القطاع، ما يجعله أحد أكثر عناصر خطة وقف النار إثارة للخلاف.

يُستخدم مصطلح "الخط الأصفر" للإشارة إلى خط تموضع وانسحاب عسكري إسرائيلي أولي، طُرح ضمن المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار متعددة المراحل في غزة. وقد عُرض في البداية كإجراء مؤقت يهدف إلى فصل القوات بشكل مرحلي، تمهيدًا لمراحل لاحقة تشمل انسحابًا أوسع وترتيبات حكم وإعادة إعمار بإشراف دولي.

ويمتد "الخط الأصفر" عبر مناطق شديدة الحساسية السكانية، من بيت حانون وبيت لاهيا شمالاً، مرورًا بمحاور خان يونس، وصولًا إلى أجزاء واسعة من رفح جنوبًا. ويختلف تقدير المساحة المشمولة بين 52 و58 في المئة من القطاع، اعتمادًا على ما إذا كان القياس يشمل فقط خط التموضع نفسه أو "نطاقات العمليات" المحيطة به، التي يتراوح عمقها بين كيلومترين و7 كيلومترات داخل غزة.

ورغم الطابع المرحلي الذي أُسبغ على الخط في الوثائق الأولية، أعادت تصريحات عسكرية إسرائيلية لاحقة توصيفه كـ "حد دفاعي جديد"، ما أثار مخاوف من تحويله إلى واقع دائم، وهو ما اعتبرته صحيفة الغارديان خروجًا على روح الترتيبات المرحلية المفترضة.

لا يقتصر تأثير الخط على إعادة انتشار القوات، بل يمتد مباشرة إلى حياة المدنيين، إذ تُصنَّف المناطق الواقعة خلفه عمليًا كمناطق عمليات أو منع وصول، مع قيود مشددة على الحركة وعودة السكان ودخول المساعدات الإنسانية. ويحوّل ذلك الخط إلى أداة ضغط اقتصادي وإنساني، تعرقل جهود إعادة الإعمار وتفاقم هشاشة الحياة اليومية في قطاع يضم أكثر من مليوني نسمة.

سياسيًا، يتعارض تثبيت "الخط الأصفر" مع جوهر المرحلة الثانية من خطة وقف النار، التي تقوم على انسحاب تدريجي وفتح أفق لإعادة الإعمار. وترى دول عربية أن قبول وجود عسكري دائم في نحو نصف قطاع غزة يشكّل سابقة خطيرة في القانون الدولي، وتكرّس ضمًا بحكم الأمر الواقع، وتفتح الباب أمام تغييرات ديموغرافية غير مباشرة عبر الضغط الاقتصادي والهجرة القسرية.

وأعربت الأمم المتحدة ومؤسسات حقوقية دولية عن قلقها من غموض الخط وحدوده، محذرة من أن تحويله إلى أمر واقع دائم قد يقوّض حماية المدنيين ويضعف فرص أي تسوية سياسية مستدامة.

ويقف "الخط الأصفر" في قلب معركة أوسع على مستقبل قطاع غزة، فهو خط يفصل الأرض، لكنه يكشف في الوقت نفسه عمق الانقسام السياسي والقانوني حول ما إذا كانت غزة تتجه نحو تهدئة قابلة للحياة، أم نحو واقع جديد تُعاد فيه صياغة الحدود بالقوة، في ظل استمرار النقاش حول الانسحاب، وإعادة الإعمار، وحماية المدنيين.