عبدالحليم صبر

عبدالحليم صبر

تابعنى على

على قبر حسن.. دموع أبٍ وبلادٍ فقدت أبناءها

منذ 4 ساعات و 5 دقائق

التقيتُ اليوم (الخميس)والدَ الشهيد حسن الصوفي، فوق القبر، خلال دفن ابنه. صافحته، فانهار بالبكاء... بكاءُ الأبِ على طفله، الذي ما زال طفلاً في قلبه، كما كل الآباء.

رجلٌ بسيطٌ جداً، ينتمي إلى الفلاحين الذين ترهقهم شمسُ النهار وهم يعملون ويحرثون الأرضَ في قلب الجبزية، ويقاومون التعب من أجل توفير قوت يومهم، ليزرعوا في أولادهم شرفَ الانتماء والمسؤولية، على أمل أن يحصدوه سنداً في شيخوختهم... وكان حسن ذلك الأمل، وكان الأب يعوّل عليه في أن يمدّ يده آخرَ العمر، ليطمئن أن تعبه لم يذهب سدى.

صافحته، وكأنني أعتذر له عن وطنٍ لم يستطع أن يحمي ابنه... عن مدينةٍ باتت تعيد أبناءها في توابيت بدلاً من شهادات تخرّج.

يداه خشنتان، محفورتان بتجاعيد عرق السنين وأرق الفقد، لكنني حين صافحته شعرتُ كأنني ألمس خارطة البلد المفقود... بلادٌ مرسومةٌ على كفّ فلاحٍ بسيطٍ يعيش بالحلم ويموت بالحسرة.

حينها، أحسستُ أن كل ما يُقال عن الوطن والكرامة والسيادة هو مجرّد خرافة، إن لم تصن دمَ هذا الأب، ودمَ ابنه الذي بدأ أولى خطواته نحو العلم والتعليم.

البلاد كلها بكت أفتهان وحسن، لكن الأب فقط هو من سيبكيه كل يوم، وحده، بصمت، في البيت، في الأرض، في زوايا الغياب الثقيلة.

لكل من تقع عليه مسؤوليةُ هذه الدماء: كونوا رجالَ دولة، ولو لمرةٍ، ولو أمام هذا الفقد الكبير، ولو أمام هذا الكهل الذي دفن عمره مع ابنه، ولو أمام الله، الذي لا تُغلق عنده الملفات، ولا تُنسى عنده الأرواح.

ما لم تُلقوا القبض على كل قاتلٍ في هذه المدينة وتُحاكموه، ستلاحقكم لعناتُ الأمهات المكلومات، ودموعُ الآباء الذين لم يعد لهم سند. ستُكتب أسماؤكم في ذاكرة الناس أنكم من خذلتم الوطن والناس.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك