من رواتب الكفالة إلى السجون.. إخوان مأرب يحولون حاجة الصحافيين إلى "مصيدة"
السياسية - Monday 18 August 2025 الساعة 07:13 pm
يواصل حزب الإصلاح الإخواني ممارسة ضغوط ممنهجة على الصحافيين في مناطق سيطرته عبر استغلال أوضاعهم المعيشية القاسية، مستدرجًا إياهم برواتب إعاشة زهيدة سرعان ما تتحول إلى وسيلة ابتزاز ومحاكمات عسكرية تعسفية.
آخر هذه الحوادث تمثلت في اختطاف الصحفي حمود هزاع من داخل منزله بمدينة مأرب، بطريقة وُصفت بالمهينة والهمجية، حيث اقتحمته قوة أمنية تابعة للإخوان واقتادته بالقوة، في مشهد يذكر بانتهاكات الميليشيات الحوثية ضد الصحافيين في صنعاء.
الأجهزة الأمنية في مأرب سارعت إلى تبرير الحادثة عبر بيان رسمي، أوضحت فيه أن هزاع ضابط برتبة "ملازم ثانٍ" في دائرة خدمة الدفاع الوطني بالقوات المسلحة، وأن احتجازه تم بناءً على أوامر قبض صادرة عن النيابة العامة. البيان شدد على أن القضية ستُحال للنيابة العسكرية الثالثة لاستكمال التحقيق وفق الأنظمة والقوانين.
>> على خطى الحوثي.. أصوات الحرية تحت إرهاب الإخوان في مأرب
البيان الأمني، الذي كان يفترض أن يبرر اعتقال هزاع، أثار استغرابًا واسعًا، بعدما اعترف صراحة بأن عملية الاقتحام والاعتداء تمت من قبل الأجهزة الأمنية نفسها، وكأن الصحفي "إرهابي خطير"، بينما كان من الممكن استدعاؤه وفق إجراءات قانونية طبيعية. وزاد من حدة الانتقادات أن البيان لم يوضح أي تهم موجهة للصحفي، واكتفى بالتأكيد على إحالته إلى محاكمة عسكرية، وهو ما رآه الحقوقيون تكرارًا لنهج الحوثيين في التعامل مع الصحافيين عبر القضاء العسكري لترهيبهم وإسكات أصواتهم.
وعبّر نشطاء صحافيون وحقوقيون عن خشيتهم من أن تتحول مأرب، التي كانت تُعتبر ملاذًا آمنًا نسبيًا للصحافة، إلى نسخة أخرى من صنعاء الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية التي تمارس هذا النهج لإسكات صوت الحق. وأكدوا أن ما حدث لهزاع يمثل رسالة تخويف لبقية الصحافيين، مفادها أن أي صوت ناقد سيكون مصيره الاعتقال أو المحاكمة العسكرية.
"مصيدة العسكرة".. شهادات صحفية
ويرى حقوقيون أن ما جرى مع حمود هزاع ليس حادثة منفردة، بل يأتي في سياق سياسة إخوانية متكررة، حيث يُستخدم الإعلاميون بدايةً كأدوات دعائية مقابل رواتب متدنية، ثم يُزج بهم في أتون الاعتقال والملاحقات حين يتجاوزون "الخطوط الحمراء" أو ينشرون ما يفضح فساد القيادات. وبهذا الأسلوب، يسعى الحزب إلى السيطرة على المشهد الإعلامي في المناطق الخاضعة لنفوذه، عبر خليط من الترغيب المالي المحدود والترهيب الأمني الشديد.
الصحفي سامي نعمان علّق على القضية عبر صفحته في "فيسبوك" قائلًا إن ما يجري يمثل "مصيدة الإعاشة العسكرية والأمنية"، موضحًا أن الصحفيين يُستدرجون عبر تسجيلهم كأفراد في وحدات عسكرية أو أمنية مقابل راتب بالكاد يغطي "حق الدقيق أو اللقمة" في ظل ظروف النزوح والفقر، ثم يُستخدم هذا الوضع لاحقًا لابتزازهم واضطهادهم، رغم أنهم لا يؤدون أي عمل عسكري فعلي.
وأضاف نعمان أن ما حصل مع حمود هزاع يذكّر بحوادث سابقة، منها ما تعرض له محامٍ وحقوقي من تعز قبل عامين، حيث بررت السلطات انتهاكاتها بحقه بصفته "فردًا عسكريًا". واعتبر أن بيان شرطة مأرب لم يكن سوى محاولة لتبرير "واقعة الانتهاك المركبة"، لافتًا إلى أن التعامل بهذا التوحش مع صحفي معروف ونازح في مخيم الجفينة لا يمكن تفسيره إلا باعتباره ترهيبًا مقصودًا للصحافيين.
وكشف نعمان أنه تلقى شخصيًا بين عامي 2018 و2020 عدة عروض لتسجيله في قوات الجيش كنوع من "الإعاشة الاجتماعية" أو "الكفالة للنازحين"، غير أنه رفض تلك العروض مفضلًا البقاء مستقلاً. وقال: "كنت أدرك أن هذا الطريق سيجعل الصحفيين عرضة للابتزاز والانتهاك باسم القانون العسكري"، مشيرًا إلى أن ما يحدث اليوم مع حمود هزاع يثبت صحة هذه المخاوف.
وأضاف: "زملاؤنا في حزب الإصلاح يعرفون حمود هزاع جيدًا، ونتمنى تدخلهم للإفراج عنه. حمود ليس غريم مأرب ولا غريم أحد، بل صحفي نشط يستحق أن يكون في جبهة إعلامية لا في الزنازين."
دعوات حقوقية وتصريحات لافتة
ودعت نقابة الصحافيين ومنظمات حقوقية وإعلامية صحافيين في الداخل والخارج إلى سرعة الإفراج الفوري عن هزاع، معتبرين أن استهداف الصحافيين بالعسكرة والمحاكمات العسكرية نهج يتطابق مع ممارسات الحوثيين في صنعاء، ويهدف إلى إخراس الأصوات الحرة وإرهاب بقية الصحافيين.
الصحفي عمار علي أحمد من جانبه ذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن ما يجري في مأرب لم يعد يثير الاستغراب بعد صمت الأجهزة الأمنية عن جريمة اغتيال البطل محمد علي ضاوي داخل المدينة عام 2019، رغم إعلان الحوثيين حينها مسؤوليتهم عن العملية كـ"نجاح استخباري وأمني نوعي".
وقال أحمد في منشور على صفحته في "فيسبوك": "من يومها غسلت يدي من الأمن في مأرب، كأنهم موافقون على ما حصل أو ربما كانوا جزءًا منه، ومن بعدها لم أعد أستبعد أي شيء قد يصدر عنهم، حتى لو استيقظنا يومًا لنجدهم قد سلموا المجمع للحوثي."
ودعا ناشطون منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المحلية والدولية إلى متابعة قضية هزاع عن كثب والضغط من أجل الإفراج الفوري عنه، مؤكدين أن مثل هذه الممارسات لا تختلف عن الانتهاكات التي يمارسها الحوثيون بحق الصحافيين، وأنها تكشف بوضوح ازدواجية الخطاب لدى الإخوان الذين يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية بينما يقمعون الصحافيين بالوسائل نفسها التي يدّعون رفضها.