شراكة في التدمير.. الحوثيون وإسرائيل يتقاطعان على حساب اليمن
السياسية - منذ 3 ساعات و 49 دقيقة
لم يعد اليمن مجرد ساحة لصراع داخلي أو إقليمي محدود، بل تحوّل إلى ساحة اختبار لمعادلات إقليمية ودولية، حيث يدفع اليمنيون الثمن الأكبر. فبينما يواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية باتجاه تل أبيب في استعراضات عسكرية لا تُحدث أثرًا يُذكر، ترد إسرائيل بغارات مركزة تدمر البنية التحتية الحيوية والاقتصادية في صنعاء والحديدة وغيرها من المناطق، في مشهد يصفه محللون بأنه "شراكة غير معلنة" في تدمير مقدرات اليمن.
وتعلن إسرائيل بين الحين والأخرى، تنفيذ سلسلة من الغارات الجوية الدقيقة على مواقع عسكرية حوثية في صنعاء، والحديدة بشكل خاص. كان أخرها، الأحد، واستهدفت مجمع يضم القصر الرئاسي، إضافة إلى منشآت نفطية ومحطات كهرباء. وبحسب المعلومات والتصريحات المحلية أن الانفجارات الهائلة وحجم اللهب المتصاعد يعكسان طبيعة الصواريخ المستخدمة ونوعية الأهداف المستهدفة. هذه الغارات، بحسب مراقبين، لم تقتصر على الأهداف العسكرية المزعومة، بل طالت مرافق مدنية حيوية، ما ضاعف من معاناة السكان وفاقم الأزمة الإنسانية.
في المقابل يواصل الحوثيون إطلاق صواريخهم بعيدة المدى باتجاه إسرائيل. ورغم الضجيج الإعلامي الذي يرافق هذه العمليات، فإن نتائجها تكاد تكون معدومة؛ معظم المقذوفات يتم اعتراضها أو تسقط في مناطق غير مأهولة. المفارقة، كما يصفها محللون، أن صاروخًا حوثيًا لا يحدث أي ضرر داخل إسرائيل، يقابله رد إسرائيلي عنيف يدمّر منشآت يمنية حيوية، ويترك خسائر اقتصادية كبيرة ينعكس أثارها على الشعب اليمني ويفاقم من معاناته الإنسانية التي تعد من بين أسوأ ثلاث أزمات على مستوى العالم.
تدمير ممنهج
وتسببت الغارات الإسرائيلية المتكررة على اليمن في خسائر اقتصادية جسيمة طالت مختلف القطاعات الحيوية. فقد أدت الغارات إلى تدمير كبير في مطار صنعاء الدولي وعدد من طائرات الخطوط اليمنية التي استعملت كدروع من قبل ميليشيا الحوثي. وشلت الملاحة الجوية وحركة الطيران بشكل كامل منذ مايو 2025، وهو ما فاقم من معاناة المرضى والمسافرين، كون المطار منفذ رئيسي وحيوي للخارج في المناطق غير المحررة. ووفقًا للتصريحات الحوثية تسببت الغارات في خسائر أولية بلغت أكثر من نصف مليون دولار في هذا الشريان الهام.
بينما أدى موانئ الحديدة لإخراجه عن الجاهزية الملاحية وتعطل عمليات الاستيراد والتصدير وهو ما زاد حدة الأزمات المعيشية والغذائية والوقود. وقدرت الخسائر الأولية في الموانئ بأكثر من 1.4 مليار دولار أمريكي . كما أن تدمير محطات الكهرباء في صنعاء ومحافظات أخرى أدى إلى انقطاع التيار عن آلاف المنازل والمرافق الحيوية، ما أثر على الإنتاج الصناعي والخدمات الأساسية. ولم تسلم مصانع إنتاجية من الاستهداف الجوي الإسرائيلي من بينها مصنع باجل في الحديدة، ومصنع اسمنت عمران شمال صنعاء، وأدت إلى تدمير خطوط الإنتاج في المصانع المستهدفة. تقدر قيمة الأضرار في 100 مليون دولار.
كما أسفرت الغارات عن مقتل العشرات وإصابة المئات، بالإضافة إلى تدمير العديد من المنشآت الحيوية. تقدر الخسائر المالية المباشرة من هذه الغارات بمئات الملايين من الدولارات، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن.
تعنت وتهور مستمر
القيادات الحوثية وبعد كل قصف تخرج بتصريحات مستفزة للشارع اليمني في مناطق سيطرتها وتواصل إرسال التهديدات والوعيد باستمرار التصعيد في إشارة منها إلى عدم مبالاتهم بالخسائر البشرية والاقتصادية في الحرب العبثية التي يقودونها منذ سنوات دون إي جدوى ولم تحقق أي نصر أو مساندة لسكان غزة كما يصورونه لاتباعهم واليمنيين القابعين تحت قبضبتهم المسلحة.
وفي أحدث تصريحات له، قلّل نصر الدين عامر، نائب رئيس الهيئة الإعلامية لجماعة الحوثيين، من تأثير الغارات الإسرائيلية الأخيرة، نافيًا ما تم تناقله عن اختراق أمني واستخباراتي طال القصر الرئاسي الخاص بهم. مؤكداً أن ذلك لا يتطلب أي جهد استخباراتي. وأكد القيادي الحوثي أن الضربات الصاروخية على إسرائيل "لن تتوقف ضد عمق العدو"، وأن الحصار البحري لن يرفع، مشدداً على أن العمليات تأتي من منطلقات دينية وأخلاقية وإنسانية على حد زعمه. واعترف نصر الدين عامر أن القصف الإسرائيلي يستهدف سوى منشآت حيوية وخدمية، وهو تأكيد على صحة تبادل الأدوار في تدمير مقدرات اليمن من قبل الجماعة الحوثية وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
بدوره، أكد عضو المجلس السياسي الحوثي حزام الأسد أن تصعيد جماعته مستمر تحت غطاء الحفاظ على ما وصفه بالإسناد الشعبي والعسكري لغزة، مشدداً على أن القصف الإسرائيلي "لن يمر مرور الكرام"، وأن جماعته ستواصل العمليات حتى في ظل نقص الموارد، حتى "لو لم نجد إلا الحجارة وذرات التراب".
وتوضح هذه التصريحات بجلاء استمرار النهج الحوثي الذي يضع أجندة خارجية على حساب استقرار اليمن، مواصلاً نهج المواجهة غير المحسوبة الذي يؤدي إلى مزيد من التدمير للبنية التحتية، والخسائر الاقتصادية والبشرية، دون أي اعتبار للمعاناة الإنسانية للمدنيين في البلاد.
بطولة زائفة واجندة إيرانية
الكاتب والمحلل السياسي خالد سلمان علّق على هذه التطورات والتصريحات الحوثية عبر صفحته في منصة "إكس" بالقول: "لا يهم الحوثي ما الذي يحققه من مناوشات صبيانية لإسرائيل؛ فهو كيان يستهويه عقلية البطل في القصف غير المنتج أو حتى في تلقي الضربات الموجعة. وفي الحالتين يرتدي ثوب البطولة ويدّعي نصرة المظلومية، بل وتذهب مرتفعاته الإعلامية إلى حد شكر إسرائيل لأنها منحته شرف العيش بذات قاع جهنم غزة".
يصف سلمان المشهد الراهن بأنه "شراكة ضمنية" بين الحوثيين وإسرائيل في تدمير اليمن، موضحًا أن الحوثي يستدعي الغارات الإسرائيلية عبر مقذوفاته العبثية، بينما تمنحه تلك الضربات فرصة لتبرير إحكام قبضته الداخلية وقمع أي معارضة أو تململ اجتماعي تحت شعار "مواجهة العدوان". أما إسرائيل، فتنفذ عملياتها العسكرية الممنهجة، تاركة اليمنيين أمام دمار يومي يتفاقم.
يرى مراقبون أن هذه التطورات لا تنفصل عن الأجندة الإيرانية في المنطقة، إذ يتم توظيف الحوثيين كأداة لجر اليمن إلى ساحة صراع بالوكالة، بعيدًا عن أي التزامات تجاه حياة اليمنيين واحتياجاتهم. ويضيف سلمان أن الحوثي يستخدم "المظلومية" ذريعة لتأجيل الاستحقاقات الملحّة للمواطنين، مثل الرواتب والخدمات، بينما يواصل إشغال الداخل بحروب عبثية خارجية.
يختتم خالد سلمان تحليله بالتحذير من أن استمرار هذا الوضع سيحوّل اليمن إلى ساحة مفتوحة لحروب المحاور والتجاذبات الدولية، مشددًا على أن "لا خلاص من هذا الوضع الجاذب لكل الكوارث إلا بإسقاط الحوثي من الداخل في ظل تآكل قوته وانكفاء مرجعيته الإيرانية على داخلها المضطرب". فبقاء الحوثي – وفقًا له – يعني بقاء اليمن أسيرًا لصراع خارجي لا ناقة له فيه ولا جمل، سوى دفع الكلفة من دماء مواطنيه وبُناه التحتية.