إسناد المقاومة أم تخريب الصفقة: لماذا أطلقت إيران صاروخاً انشطارياً من اليمن؟

السياسية - منذ 4 ساعات و 35 دقيقة
نيوزيمن، كتب/ حسام ردمان:

خلال الأسبوع الماضي، شهد الملف الفلسطيني جملة من التطورات السياسية الواعدة: أولاً موافقة حماس على مقترح ويتكوف لوقف الحرب بعد نقاشات مطولة في القاهرة. وثانياً لقاء السيسي وبن سلمان في الرياض لتجديد الزخم حول المبادرة العربية لإعادة الإعمار وحل الدولتين.

وثالثاً تصريح ترامب حول ضرورة إنهاء الوضع الكارثي في القطاع بأسرع وقت وإعلان 15 دولة اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين. وأخيراً تنامي الضغوط الشعبية الداخلية على الحكومة الإسرائيلية للقبول بصفقة تبادل الرهائن وإلغاء خطط الاحتلال الكامل للقطاع.

كل هذه المتغيرات وضعت نتنياهو أمام مأزق حقيقي، لا يهدد بإفشال سياسته الخارجية والعسكرية وحسب، بل يزعزع موقعه في السلطة؛ وكالعادة فإن طوق النجاة الأمثل يكون بصاروخ حوثي يخترق بصورة إعجازية منظومات الدفاع الجوي، ويسهم في امتصاص الضغوط الداخلية والخارجية بخصوص غزة، ويحرف الأنظار نحو الساحة اليمنية وتهديدات الملاحة.

بدأ الجيش الإسرائيلي بالتحرش بالحوثيين في 17 أغسطس عبر قصف البحرية الإسرائيلية للبنية التحتية المدنية في صنعاء لحثهم على رد متهور جواً أو بحراً. ويوم أمس لم يتوانَ سلاح الجو الإسرائيلي عن استعراض قوته في اليمن رداً على الصاروخ البالستي ذي الرأس الانشطاري الذي أُطلق في 22 أغسطس وفشلت الدفاعات الإسرائيلية في اعتراضه.

ورغم تهافت بنك الأهداف الإسرائيلي في صنعاء (إلى درجة الإغارة على القصر الجمهوري الذي أُشبع قصفاً من قبل التحالف العربي)، إلا أن نتنياهو جلس بنفسه في قاعدة كرياة العسكرية ليراقب باهتمام - لا يخلو من المبالغة الدرامية - سرب الطائرات الإسرائيلية وهي تتدرب على تنفيذ الغارات في بلدان "الدائرة الثالثة" والتي تشمل اليمن وإيران.

وقد كانت الجزئية الأهم في هجوم صنعاء، تمرّس الطيارين على عمليات التزويد بالوقود في الجو. فيما بدا وأنه بروفة تدريبية على هجمات أوسع في إيران.

إن استفادة إسرائيل الدائمة من تصعيد الحوثيين لم تعد اليوم موضع جدال، فقد أثبتت نفسها في أكثر من مناسبة، لكن السؤال المطروح بقوة الآن: هل يعقل أن الحوثيين ومن خلفهم إيران لا يدركون هذه الحقيقة؟

خلال الفترة الماضية كان يمكن تفسير سلوكهم من خلال العمى الأيديولوجي وسوء التقدير الاستراتيجي، لكن الهجوم الأخير بصاروخ انشطاري محرم دولياً، لا يمكن أبداً إدراجه ضمن طريق الجحيم المعبد بالنوايا الحسنة، بل هو سلوك مقصود خصوصاً وأنه تزامن مع جملة من التصريحات الإيرانية الكاشفة:

- خامنئي يقول إن إيران لن تذعن لأمريكا وأنه لا مكان لاتفاق نووي في الوقت الحالي.

- ⁠وزير الدفاع الإيراني يكشف أن طهران بنت مصانع للسلاح في بلدان إقليمية، وأنها زودت قواتها المسلحة بصواريخ جديدة للرد على إسرائيل.

- ⁠لاريجاني يقول إن طهران ستواصل دعمها للفصائل المسلحة بعد أن منيت زيارته إلى بيروت بالفشل.

على الأرجح، ومع تزايد احتمالات المواجهة على حساب التفاوض، تحاول إيران إثبات فاعلية الردع وعقيدة "الدفاع المتقدم"، لذا فقد اختارت توجيه رسائلها من خلال الحوثيين وعبر "صاروخ انشطاري"، من النوع الذي استخدمته لقصف إسرائيل خلال حرب 12 يوماً.

كما أن تسخين الجبهة اليمنية هو فرصة لاستدراج إسرائيل، وربما الولايات المتحدة، إلى حرب وكالة في اليمن بدلاً من المواجهة المباشرة، على قاعدة التضحية بالجنين كي تعيش الأم.

هذه الأسباب تفسر حسابات التصعيد من جهة طهران، لكن ماذا بشأن غزة؟

في حقيقة الأمر نجحت طهران من خلال الهجمات الحوثية بالحفاظ على آخر رمق رمزي لمفهوم "وحدة الساحات" وهو مصدر شرعيتها الاخلاقية، الا ان جبهة الاسناد اليمنية وان ظلت قائمة تكتيكا فان وظيفتها الاستراتيجية تغيرت بشكل عميق على الاقل خلال النصف الثاني من 2024:

لم تعد الغاية دعم المقاومة ومنع احتلال غزة، وانما ممانعة اي صفقة سياسية يتم ابرامها بعيداً عن نفوذ إيران!

هذا الافتراض التحليلي تؤكده جملة من الشواهد، أهمها التصعيد الاعلامي الحوثي على مدار الاسابيع الماضية، ضد الدول العربية، لا سيما جمهورية مصر، والذي وصل إلى حد التهديد بضرب مصالحها الغازية.

رغم ان القاهرة ظلت تكظم غيظها لعامين وتبتلع خسائرها الاقتصادية بصمت دون أن توجه حتى توبيخ لفظي للحوثيين. لكن اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة ونجاح مصر بتليين موقف حماس لم يكن محل ترحيب من محور الممانعة.

وتريد طهران ان تقول من خلال ذراعها الحوثي؛ بان إنهاء الحرب في غزة عبر ترتيبات عربية أمريكية حصرية لن يتم، خصوصا مع استمرار الضغوط العربية الأمريكية في لبنان لحصر السلاح في يد الدولة. كما أن إنهاء الحرب في غزة لن يتم دونما ضمانات بعدم التوجه المستقبلي لاستهداف نفوذها الجيوسياسي في اليمن أو العراق.

وبالنسبة لطهران فإن بقاء المعاناة في غزة يعني بقاء السياسة الاقليمية العربية منشغلة بخفض التصعيد الإقليمي واحتواء مشاريع التمدد الإسرائيلي، وهذا يجعل الموقف العربي يتقارب مع إيران دون حاجة الاخيرة إلى تقديم اي تنازلات بالمقابل.

وقد تجلى ذلك بوضوح في التحركات السياسية العربية لوقف الهجوم الإسرائيلي على طهران في يونيو الماضي، والديبلوماسية الاستباقية العربية الساعية إلى تجنب تكرار هذا السيناريو. وقبل ذلك كان هناك فيتو عربي ضد مسار الحسم العسكري في اليمن (مارس وحتى مايو) إلى حين ضمان وقف الحرب في غزة.

وخلال الاسابيع القليلة القادمة سوف يتضح مدى تطابق هذه القراءة مع الواقع، ومدى استمرار طهران في مساعيها لتعطيل اي صفقة في غزة، من خلال ذراعها المسلح في اليمن وبالتخادم مع نتنياهو، إلى حين ابرام صفقة اقليمية اوسع تضمن امنها القومي وبرنامجها النووي ونفوذها الاقليمي.

وفي هذه الحالة سوف يكون على الجانب العربي والدولي التفكير جديا - حتى من باب الرياضة الذهنية- في اعادة ترتيب اولوياتهم الاستراتيجية لاستعادة أمن الاقليم: إذ إن انهاء التهديد الحوثي في اليمن قد بات هو الشرط لوقف الحرب في غزة، وليس العكس!

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك