اعتقالات وملاحقات.. استنفار حوثي لمنع احتفالات ثورة 26 سبتمبر

السياسية - منذ ساعتان و 23 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

حالة رعب واستنفار تعيشها ميليشيا الحوثي الإيرانية هذه الأيام مع قرب ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962، حيث صعّدت الجماعة من إجراءاتها القمعية في صنعاء وعدة محافظات يمنية خاضعة لسيطرتها مستهدفةً كل من يرفع العلم اليمني أو يعبّر عن انتمائه للجمهورية. حملات مداهمة واعتقالات طالت مواطنين وناشطين، واستنفار أمني غير مسبوق كشف عن خوف الميليشيات من رمز الثورة التي أطاحت بالإمامة التي تمثل إرثها الفكري والسياسي.

تتّسع المواجهة في اليمن اليوم لتتجاوز الجبهات العسكرية إلى جبهة الرموز والذاكرة الوطنية. فقبل أيام قليلة من الذكرى الـ63 لثورة 26 سبتمبر، التي أنهت حكم الإمامة وأعلنت ميلاد الجمهورية، تشنّ جماعة الحوثي – وهي الامتداد السلالي لذلك الحكم – معركةً شعواء ضد الأعلام الوطنية والصور والمنشورات التي تحتفي بهذه المناسبة.

المشهد لا يبدو مجرد تضييقٍ أمني، بل هو صراع هوية مكتمل الأركان: فالثورة التي أخرجت اليمن من عزلة القرون إلى رحاب الدولة الحديثة، تحاول الجماعة طمسها لصالح مشروع "الإمامة" بثوب إيراني. لهذا لم تكتفِ الميليشيا بمصادرة الأعلام ومنع الاحتفالات، بل ذهبت إلى قمع حتى النوايا التي تُعبَّر عنها على منصات التواصل الاجتماعي، في تعبير صارخ عن خوفها من أي وعي جمعي يعيد التذكير بالجمهورية.

مصادر محلية في محافظة حجة أفادت بأن أطقمًا مسلحة يقودها مدير أمن مديرية كحلان الشرف فهد ظافر وقيادي حوثي يدعى عبدالسلام النعمي اقتحمت قرى وأسواق منطقة عزان وسوق المهر والسوق القديم، وصادرت الأعلام الوطنية من المنازل والمتاجر. الميليشيا هدّدت الأهالي بعقوبات صارمة شملت السجن والغرامات المالية لكل من يرفع العلم أو يشارك في أي مظهر احتفالي.

وفي صنعاء، وخصوصًا مديرية همدان، اعتقلت قوات الحوثي عددًا من المواطنين بعد أن وضعوا صور الأعلام الوطنية على صفحاتهم في مواقع التواصل. مسلحون حاصروا منازل في منطقة الجاهلية، وداهموا منزل المواطن عارف محمد قطران، حيث اعتقلوه مع ابنه عبدالسلام بعد مصادرة هواتفهما، بذريعة منشورات تشيد بثورة سبتمبر وتنتقد انتهاكات الجماعة. كما خُطف الناشط جميل شرهان قبل أيام للأسباب نفسها.

القاضي عبدالوهاب قطران كشف عبر منصة "إكس" أن حملة الاعتقالات طالت أربعة من أبناء قرية الجاهلية وعددًا من قرى "علو همدان"، واصفًا ما يجري بأنه "جنون سياسي" يعكس حالة ارتباك عميقة داخل سلطة الأمر الواقع. وتساءل: "هل صار رفع العلم الوطني تهمة لا تُغتفر؟".

مصادر مطلعة أكدت أن قيادة الحوثيين أصدرت تعليمات صارمة لأجهزتها الأمنية والاستخباراتية لمراقبة أي بوادر للاحتفال بثورة سبتمبر، بما في ذلك مراقبة أسواق الأقمشة ومحلات الخياطة ومنع بيع العلم اليمني بكميات كبيرة، وإلزام المحلات بالإبلاغ عن أي طلبات شراء لافتة. كما شملت التوجيهات متابعة مواقع التواصل الاجتماعي والتجسس على المستخدمين ورصد أي منشور أو دعوة لإحياء المناسبة، مع التهديد بعقوبات فورية.

إلى جانب القبضة الأمنية، شنّت أبواق الحوثيين الإعلامية حملة تشويه ضد ثورة 26 سبتمبر، محاولةً إعادة تلميع حكم الإمامة الكهنوتي والتقليل من منجزات الثورة السبتمبرية التي أخرجت اليمن من الظلام إلى دولة المؤسسات. الحملة الدعائية امتلأت بالأكاذيب والمغالطات التاريخية، وسعت إلى تخويف اليمنيين من الاحتفال بالمناسبة عبر التذكير بحملات الاعتقال التي نفذتها الجماعة العام الماضي بحق مئات المواطنين.

لكن ناشطين وكتّابًا يمنيين تصدوا لتلك الحملة، مؤكدين أن ما تقوم به الميليشيا يكشف عمق أزمتها الفكرية وخوفها من أي إحياء شعبي للثورة التي أنهت حكم أسلافها. وأوضحوا أن سلوك الجماعة يعيد اليمن إلى عصور التخلف والقهر، ويعيد إنتاج الإمامة بنسخة إيرانية الطابع.

ويرى مراقبون أن استنفار الحوثيين بهذا الشكل يعكس هشاشتهم الداخلية، فالثورة التي أطاحت بالإمامة قبل 63 عامًا لا تزال تحمل في وجدان اليمنيين معنى الخلاص من الحكم السلالي. أن تشديد القبضة الأمنية، وملاحقة حتى "النوايا الاحتفالية"، يشير إلى إدراك الجماعة أن معركتها الحقيقية مع وعي الناس وليس مع الأسلحة. فالأعلام التي تُرفع في القرى، أو الصور التي يتبادلها اليمنيون على هواتفهم، تبدو اليوم أخطر على مشروع الحوثي من أي جبهة عسكرية.

وبينما تصعّد مليشيا الحوثي قمعها وملاحقتها للمواطنين، يزداد تمسك اليمنيين براية ثورتهم، في مفارقة تؤكد أن شعلة سبتمبر لا تزال عصيّة على الإطفاء، وأن الوعي الجمهوري أقوى من كل سجون القمع وأقبية الخوف.