مدينة المخا.. زهرة الساحل الغربي وبوابة اقتصاد هامة لليمن
السياسية - منذ ساعتان و 48 دقيقة
في مشهدٍ يعيد للأذهان أمجاد المخا التجارية والتاريخية، تعيش المدينة الساحلية هذه الأيام حالة انتعاش اقتصادي وتنموي متسارعة، غير مسبوقة منذ عقود. فحيثما تتجه الأنظار داخل المدينة، يمكن للمرء أن يلمس حركة دؤوبة تشبه خلية نحلٍ لا تهدأ، في مشروعات تتنوع بين البنية التحتية والخدمات العامة والمشروعات الاستثمارية الخاصة، إلى جانب مشاريع إعادة التأهيل والتوسعة في المطار والميناء والطرق والمياه والكهرباء.
هذه النهضة الشاملة لم تأتِ صدفة، بل كانت ثمرة رؤية استراتيجية واعية ومتابعة ميدانية مستمرة من عضو مجلس القيادة الرئاسي، قائد المقاومة الوطنية، رئيس المكتب السياسي، الفريق أول ركن طارق محمد عبدالله صالح، الذي جعل من المخا نقطة انطلاق لمشروع وطني طموح لإحياء الساحل الغربي وبناء نموذج تنموي متكامل يعكس إرادة الدولة في النهوض بالمناطق المحررة.
لقد تحولت المخا، في زمنٍ وجيز، من مدينة أنهكتها الحرب والإهمال إلى نموذج ملهِم في البناء والإنجاز، تتسابق فيها المشاريع الحكومية والخاصة لاستعادة المكانة التي طالما تميزت بها على مر التاريخ كميناء عالمي ومركزٍ للتجارة بين الشرق والغرب. فاليوم تشهد المدينة حركة عمرانية نشطة تمتد من شوارعها الرئيسية إلى أطرافها الساحلية، وتُقام فيها مشاريع استثمارية وسياحية وتجارية تعيد رسم ملامحها الحديثة.
ويمثل هذا التحول السريع تجسيدًا عمليًا لسياسة الانتقال من مرحلة الطوارئ إلى مرحلة البناء والتنمية، حيث تتكامل جهود السلطة المحلية والمؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال في تنفيذ رؤية اقتصادية جديدة تجعل من المخا قاطرة النهوض الاقتصادي للساحل الغربي واليمن عمومًا.
كما باتت المدينة قبلة للمستثمرين المحليين والإقليميين، بفضل ما تشهده من استقرار أمني وإداري ملحوظ، وبيئة مشجعة على العمل والإنتاج، ما جعلها تفرض حضورها بقوة على خريطة التنمية الوطنية، وتغدو بحق زهرة الساحل الغربي وبوابة الاقتصاد البحري لليمن.
واقع الاستثمار والفرص الواعدة
في ضوء التحولات المتسارعة التي تشهدها مدينة المخا، كشف تقرير اقتصادي حديث صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بعنوان «تحليل بيئة الاستثمار والفرص الاستثمارية في محافظة تعز – 2024»، عن ملامح نهضة اقتصادية واعدة تتشكل في المدينة، مؤكدًا أن المخا باتت اليوم الركيزة الأبرز للاقتصاد البحري اليمني وأحد المحركات الجديدة لعجلة التنمية الوطنية.
وأوضح التقرير أن الموقع الجغرافي الفريد للمخا على ضفاف البحر الأحمر يمنحها ميزة استراتيجية لا تضاهى، إذ تقع في قلب أهم الممرات البحرية الدولية التي تربط الشرق بالغرب، ما يجعلها مؤهلة لتكون مركزًا محوريًا للتجارة البحرية الإقليمية والدولية، وميناءً رئيسيًا لتصدير واستيراد البضائع من وإلى اليمن ودول القرن الإفريقي والجزيرة العربية.
وأضاف التقرير أن اتساع المساحة الجغرافية للمديرية، وامتلاكها لبنية تحتية تجارية قديمة ما تزال قائمة رغم عقود من التراجع والإهمال، يمثلان فرصة استثنائية لإعادة بناء منظومة اقتصادية متكاملة. فالمخا، بحسب التقرير، قادرة على التحول إلى منطقة اقتصادية ولوجستية متعددة الأنشطة تربط بين موانئ البحر الأحمر ومراكز الإنتاج الزراعي والصناعي في الداخل اليمني، بما يخلق سلسلة توريد وطنية مستدامة تعزز الاكتفاء الذاتي وتقلل الاعتماد على الواردات الخارجية.
وأشار التقرير إلى أن المخا تمتلك عناصر جذب استثماري متكاملة، من أهمها الاستقرار الأمني النسبي، والموقع البحري القريب من الممرات الدولية، وتوافر مساحات واسعة يمكن استغلالها لإقامة مناطق حرة وصناعية وتجارية حديثة. كما يمكن تطويرها لتكون مركزًا للتصدير وإعادة التصدير، بما يتيح تنويع مصادر الدخل القومي وتعزيز حركة التجارة البحرية اليمنية بعد سنوات من الركود.
ويرى خبراء الاقتصاد الذين استند إليهم التقرير أن المخا تمثل فرصة نادرة لتجديد الدور التاريخي للساحل الغربي في المشهد الاقتصادي اليمني، مؤكدين أن تحويلها إلى قطب تجاري واستثماري متكامل يتطلب حزمة من الإجراءات الحكومية لتحديث البنية التحتية، وتبسيط الإجراءات الجمركية، وتحسين بيئة الأعمال بما يواكب المعايير الدولية، إلى جانب دعم القطاع الخاص وتشجيع رؤوس الأموال المحلية والعربية على الاستثمار في مشاريع النقل البحري، والصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية.
كما أشار التقرير إلى أن إعادة تأهيل الميناء والمطار، وربطهما بشبكة الطرق الداخلية، يمثل الخطوة الجوهرية نحو تحقيق التكامل الاقتصادي بين الساحل والمناطق الداخلية، وهو ما من شأنه أن يحوّل المخا إلى قاطرة حقيقية للنمو الاقتصادي في محافظة تعز واليمن عمومًا، بما يعزز من حضورها كواحدة من المدن اليمنية الصاعدة اقتصاديًا خلال السنوات القليلة المقبلة.
ميناء المخا.. عودة الشريان التجاري التاريخي
في قلب هذه النهضة التنموية الشاملة، يشهد ميناء المخا واحدة من أكثر فترات ازدهاره نشاطًا منذ عقود، مع تصاعد الحركة التجارية والبحرية بوتيرة متنامية أعادت إليه مجده الغابر كميناء استراتيجي عريق كان لقرون طويلة أحد أهم المنافذ البحرية لليمن على البحر الأحمر.
وأصبحت الأرصفة تعج بالسفن التجارية والبضائع الواردة والمغادرة، فيما تتواصل أعمال التوسعة والتحديث والتأهيل الفني لتعزيز قدرته الاستيعابية ورفع كفاءته التشغيلية، بما يواكب المعايير الحديثة في الخدمات اللوجستية والموانئ الإقليمية.
هذا الزخم التجاري المتسارع لم ينعكس فقط على الميناء ذاته، بل أسهم في إعادة الدور الريادي للمدينة الساحلية التي لطالما كانت حلقة وصلٍ بين اليمن والعالم، لتستعيد اليوم مكانتها كـ محطة تجارية واعدة على خارطة الاقتصاد الوطني، ومركزٍ محوري في حركة التجارة الإقليمية عبر البحر الأحمر.
وبحسب مصادر ملاحية وتجارية في المخا، فإن مشاريع تطوير الميناء الجارية ستؤدي إلى خفض تكاليف النقل والاستيراد والتصدير بصورة ملموسة، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على تنافسية المنتجات اليمنية، ولا سيما الزراعية والسمكية، في الأسواق الإقليمية والدولية، إلى جانب تنشيط الاقتصاد المحلي في محافظة تعز ومناطق الساحل الغربي.
ويرى خبراء الاقتصاد أن تشغيل الميناء بكامل طاقته التشغيلية يمثل أولوية اقتصادية قصوى، إذ سيخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات النقل البحري والتخزين والخدمات اللوجستية، ويعيد للمخا دورها التاريخي كبوابة اليمن البحرية الأولى نحو إفريقيا وآسيا. كما يسهم هذا التطور في تقليل الاعتماد على المنافذ البديلة مرتفعة التكلفة، وإنعاش الحركة التجارية في محافظات تعز ولحج وإب والحديدة، وضمان تدفق السلع الأساسية إلى الأسواق المحلية بسهولة وأمان.
ويشكّل الاستقرار الأمني والإداري الذي تنعم به مدينة المخا والساحل الغربي عمومًا عاملًا حاسمًا في دعم هذا التحول، إذ بات مناخ الأمن والثقة السائد عنصر جذب رئيسي للمستثمرين والشركات الملاحية، ومؤشرًا على أن الميناء يسير بخطى ثابتة نحو استعادة مكانته التاريخية كـ رمز للانفتاح التجاري والاقتصادي لليمن على العالم.
مطار المخا الدولي.. نافذة اليمن الجديدة على العالم
يمثل تشغيل مطار المخا الدولي إحدى أهم الخطوات الاستراتيجية في مسار النهوض الاقتصادي الشامل للمدينة، إذ يُنتظر أن يشكل المطار نقلة نوعية غير مسبوقة في بنية النقل الجوي والتجاري واللوجستي للساحل الغربي ومحافظة تعز على وجه الخصوص.
فبعد أكثر من تسعة أعوام من الحصار المفروض على محافظة تعز، يأتي المطار ليكسر تلك العزلة القسرية التي فرضتها مليشيا الحوثي على المحافظة وسكانها، وليفتح أمامها نافذة جديدة نحو العالم الخارجي، تعيد لها حقها في التواصل والتنقل والتجارة والحياة.
واستُكملت في المطار عمليات التوسعة والتأهيل الشاملة التي شملت مدرج الطيران الرئيسي ومبنى الركاب والبنية التحتية الفنية، ليصبح مؤهلًا لاستقبال الطائرات التجارية الكبيرة ومجهزًا بأحدث أنظمة الملاحة والسلامة الجوية. ويمثل ذلك خطوة مهمة في اتجاه تحويل المخا إلى مركز اقتصادي متكامل متعدد المنافذ (بحري، جوي، وبري)، بما يعزز قدرتها على استيعاب حركة النمو التجاري والاستثماري المتصاعد.
ولا يقتصر الدور المنتظر من المطار على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادًا إنسانية وتنموية بالغة الأهمية، إذ سيسهم في تسهيل حركة تنقل المواطنين ورجال الأعمال، ونقل المرضى والمساعدات الإنسانية والإغاثية إلى المناطق المتضررة والمحاصرة، إلى جانب دعم جهود المنظمات الإنسانية العاملة في المحافظة والمناطق المجاورة.
ومن الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يسهم تشغيل مطار المخا الدولي في تحفيز النشاط التجاري والاستثماري والسياحي، عبر تسهيل حركة البضائع والسلع، وجذب الشركات والمستثمرين المحليين والدوليين، ما سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتنشيط الأسواق المحلية. كما سيمنح المطار المدينة ميزة تنافسية قوية في مجال الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد، ليجعل منها نقطة اتصال إقليمي رئيسية تربط بين الساحل الغربي والعالم.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن تشغيل مطار المخا لن يكون مجرد مشروع نقل جوي، بل ركيزة استراتيجية ضمن مشروع وطني متكامل يقوده عضو مجلس القيادة الرئاسي، الفريق أول ركن طارق محمد عبدالله صالح، بهدف تحويل المخا إلى عاصمة اقتصادية على البحر الأحمر، تستعيد دورها التاريخي كمحور للتبادل التجاري والبحري والجوي، ومركز تنموي واعد يسهم في إعادة بناء اليمن الجديد على أسس من العمل والإنتاج والانفتاح.
طريق الشيخ محمد بن زايد.. شريان الحياة
وتتويجًا لمسار التنمية الشاملة التي تشهدها مدينة المخا، جاء افتتاح طريق الشيخ محمد بن زايد (المخا–تعز) ليكمل لوحة الإنجاز، ويشكّل تحولًا استراتيجيًا في حركة النقل والربط التجاري بين الساحل الغربي ومحافظة تعز، التي ظلت لسنوات تعاني العزلة والحصار. فبعد أعوام من المعاناة التي خنقت المدينة وأعاقت تدفق السلع والبضائع وحركة المسافرين، أصبح الطريق الجديد شريانًا اقتصاديًا وإنسانيًا حيويًا يربط المخا بمدينة تعز وبقية مناطق المحافظة، فاتحًا أمامها آفاقًا واسعة للانفتاح التجاري والاقتصادي.
ويمتد الطريق بمواصفات حديثة، ما جعله ممراً آمناً وسلساً لنقل البضائع والمنتجات الزراعية والصناعية من تعز إلى ميناء المخا والعكس، الأمر الذي اختصر المسافات وخفّض تكاليف النقل بشكل كبير، وساهم في تنشيط الأسواق المحلية وإعادة الحيوية للحركة التجارية بين الساحل والمرتفعات.
كما أتاح الطريق الفرصة أمام المزارعين والتجار وأصحاب المصانع لتوسيع أنشطتهم، إذ بات بإمكانهم تصدير منتجاتهم عبر ميناء المخا مباشرة إلى الأسواق الإقليمية والدولية دون الحاجة إلى المرور بمناطق خطرة أو منافذ مكلفة، ما جعل منه بحق طوق نجاة اقتصادي واستراتيجي لتعز والمناطق المجاورة.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن هذا الطريق يمثل ركيزة بنيوية أساسية في رؤية التطوير الشاملة والتي تهدف إلى كسر العزلة المفروضة على تعز وربطها بالساحل الغربي كممر طبيعي للحركة التجارية والاقتصادية. فاليوم، بفضل هذا المشروع، تتدفق الشاحنات والسلع والمواد الغذائية والاحتياجات اليومية بحرية وأمان، في مشهدٍ يعكس عودة الحياة إلى طبيعتها بعد سنوات من الانقطاع.
ولا يقف أثر الطريق عند حد النقل التجاري، بل يمتد ليشكّل رافعة تنموية متكاملة تسهم في تنشيط الاستثمارات السياحية والزراعية والخدمية على امتداد الخط الرابط بين المدينتين، وتعزز من التكامل الجغرافي والاقتصادي بين الساحل والمرتفعات، في إطار مشروع وطني طموح يهدف إلى تحويل المخا إلى مركز تنمية إقليمي متصل بمحيطه الداخلي والخارجي.
وهكذا، كما جاء مطار المخا الدولي ليكسر العزلة الجوية، جاء طريق الشيخ محمد بن زايد ليكسر العزلة البرية، في منظومة تكاملية تُعيد رسم ملامح الجغرافيا الاقتصادية لتعز والساحل الغربي، وتُجسّد عمليًا رؤية النهوض التي تنقل المنطقة من زمن الحصار والانغلاق إلى عصر الانفتاح والبناء والازدهار.
لمخا.. مركز الاستثمار الصناعي والبحري القادم في اليمن
يؤكد تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن مدينة المخا تُعد من أبرز المدن اليمنية المرشحة لتكون نقطة انطلاق رئيسية للاستثمار الصناعي والبحري، بالنظر إلى ما تمتلكه من موقع استراتيجي فريد على البحر الأحمر، وإمكانات طبيعية وبشرية تؤهلها لتكون قاعدة اقتصادية متكاملة على مستوى اليمن والمنطقة. ويرى التقرير أن المدينة باتت مؤهلة لتتحول إلى منطقة إنتاج وتصدير رئيسية تغذي الأسواق المحلية والخارجية بالمنتجات الزراعية والسمكية والصناعية، في ظل ما تشهده من تحسن في البيئة الأمنية وتطور في البنية التحتية والخدمات.
ويعدد التقرير جملة من الفرص الاستثمارية الواعدة في قطاعات متعددة، أبرزها الزراعة، والثروة السمكية، والصناعات الغذائية التحويلية، حيث يمكن إقامة مصانع متخصصة في تعليب وتغليف المنتجات الزراعية والسمكية والحيوانية وفقًا للمعايير الدولية، إلى جانب مشاريع متكاملة لحفظ وتخزين وتجميد الأسماك واللحوم، بما يسهم في تقليل الفاقد وتحسين جودة المنتجات الموجهة للأسواق الخارجية. كما يشير التقرير إلى إمكانية إنشاء مراكز تفريغ حديثة مجهزة بمضخات وقود ومصانع ثلج ومخازن تبريد على طول الساحل، لتكون نواةً لمدينة صناعية بحرية متكاملة تدعم قطاع الصيد والإنتاج البحري.
ويكشف التقرير عن زيادة بنسبة 400% في عدد قوارب الصيد في الساحل الغربي لمحافظة تعز بين عامي 2018 و2022، وهي مؤشّر واضح على عودة النشاط البحري وانتعاش الاقتصاد الساحلي بفضل تحسن الأوضاع الأمنية والاستقرار النسبي الذي تشهده المنطقة. هذا التطور المتسارع، بحسب التقرير، يجعل من المخا مركزًا مثاليًا لإنشاء مشاريع استزراع الأحياء البحرية والروبيان (الجمبري)، إلى جانب تطوير الصناعات السمكية التصديرية التي يمكن أن تعزز تنويع مصادر الدخل الوطني وتفتح آفاقًا رحبة أمام الاستثمار المحلي والإقليمي والدولي.
ويؤكد محللون اقتصاديون أن هذه المؤشرات تعكس تحول المخا إلى بيئة استثمارية واعدة تمثل نموذجًا عمليًا لكيفية استثمار المقومات الطبيعية والموقع الجغرافي لخدمة الاقتصاد الوطني. كما أن الاهتمام الرسمي الكبير الذي تحظى به المدينة، أسهم في تسريع وتيرة المشاريع التنموية وتوفير البيئة الملائمة لقيام نهضة اقتصادية شاملة، تجعل من المخا قاطرة للنمو الصناعي والبحري في اليمن خلال السنوات القادمة.
مشاريع تنموية كبرى تعزز مسار الازدهار
تواكب هذه الطفرة الاستثمارية غير المسبوقة في مدينة المخا حزمة من المشاريع الخدمية والتنموية الكبرى التي تمثل ركائز أساسية لمسار التنمية المستدامة في المدينة والساحل الغربي عمومًا. فقد شهدت المخا خلال الفترة الأخيرة تحولات جذرية في مجالات الخدمات العامة والبنية التحتية، بما يعكس توجهًا واضحًا نحو بناء نموذج تنموي متكامل يجعل من المدينة حاضرة اقتصادية عصرية قادرة على استيعاب النمو المتسارع في مختلف القطاعات.
ويُعد المشروع الاستراتيجي لتوفير المياه أحد أبرز هذه المنجزات، بطاقة إنتاجية تصل إلى أربعة ملايين لتر يوميًا، وهو مشروع حيوي طال انتظاره، سيضع حدًا نهائيًا لأزمة المياه المزمنة التي عانى منها السكان لعقود طويلة. ومع تشغيل هذا المشروع، سيستعيد آلاف المواطنين حقهم في الحصول على المياه النقية، بما ينعكس إيجابًا على الاستقرار المعيشي والصحي، ويفتح آفاقًا جديدة أمام الاستثمار الصناعي والعمراني والزراعي، حيث تُعد المياه عنصرًا جوهريًا لأي نشاط إنتاجي أو تنموي.
وفي موازاة ذلك، تتواصل مشاريع الكهرباء والطرق والبنية التحتية والتعليم والصحة بوتيرة متسارعة، مدعومة برؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى تحسين جودة الحياة في المدينة وتعزيز جاذبيتها الاستثمارية. فقد تم تنفيذ مشاريع لتوسيع شبكة الكهرباء وتحديث الطرق الداخلية والرئيسية، إلى جانب إعادة تأهيل المدارس والمرافق الصحية، وإنشاء مراكز خدمية حديثة تواكب متطلبات النمو السكاني والاقتصادي.
ولا تقتصر هذه الجهود على الجانب الخدمي فحسب، بل تتكامل مع خطة اقتصادية طموحة، لتأسيس بنية اقتصادية متماسكة تضع المخا في موقعها الطبيعي كـ رئة اقتصادية لليمن على البحر الأحمر، ومحور رئيسي للنشاط التجاري والصناعي في الساحل الغربي.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الاستثمار في المخا يعني استثمارًا في الأمن الاقتصادي الوطني، لما يحمله من آثار مباشرة في خلق فرص عمل جديدة، وتحفيز القطاع الخاص، وتنويع مصادر الدخل، فضلًا عن تقليل الاعتماد على الواردات وبناء اقتصاد إنتاجي مستدام يقوم على استثمار الموقع الجغرافي الفريد والإمكانات الطبيعية والبشرية الكبيرة التي تمتلكها المدينة.
لقد أصبحت المخا اليوم نموذجًا للمدينة التي تنهض من جديد بإرادة قيادتها وجهود أبنائها، لتتحول من مدينة ظلت لعقود في هامش التنمية إلى قلب نابض للاقتصاد الوطني، وبوابة أمل لمستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا لليمن بأسره.
المخا تكسر العزلة.. والرهانات الحوثية تتبدد
في ظل الخطوات المتسارعة نحو البناء والنهوض التي تشهدها مدينة المخا ومحافظة تعز عمومًا، تتهاوى تدريجيًا رهانات الميليشيات الحوثية التي سعت طيلة سنوات الحرب إلى إخضاع تعز وعزلها عن محيطها الحيوي والاقتصادي. فاليوم، تتغير المعادلة على الأرض؛ إذ لم تعد المدينة عنوانًا للحصار والمعاناة، بل أصبحت رمزًا للصمود والإصرار على الحياة والإنتاج، في مشهد يعكس إرادة لا تنكسر ورؤية وطنية تمضي نحو المستقبل بثبات.
تستعيد تعز، ومعها المخا، حقهما الطبيعي في الحياة والحركة والإنجاز، بفضل المشاريع الحيوية التي فتحت شرايين الاقتصاد من جديد، وأعادت التواصل بين المدينة وساحلها ومحيطها الإقليمي. فقد أثبت أبناؤها أن الرهان على الوعي والعمل أقوى من رهان السلاح والدمار، وأن إرادة التنمية قادرة على كسر كل أشكال العزلة والحصار.
وبينما تواصل الميليشيات الحوثية رهانها على سياسة الإفقار والتجويع وتعطيل مؤسسات الدولة، تراهن تعز والمخا على الإنتاج والعمل والانفتاح والتكامل الاقتصادي، في مسار يعيد الأمل إلى ملايين اليمنيين بأن وطنهم قادر على النهوض من رماد الحرب إلى أفق جديد من السلام والتنمية والبناء.
لقد أثبتت هذه التجربة أن القوة الحقيقية لا تُقاس بكمية السلاح، بل بقدرة الإنسان على البناء والإبداع، وأن المدن التي تتبنى مشاريع التنمية والاستثمار وتؤمن بالعمل كقيمة وطنية، هي وحدها القادرة على صناعة التحول التاريخي نحو الاستقرار والازدهار.
وهكذا، وبينما تترسخ في المخا ملامح نهضة اقتصادية وتنموية غير مسبوقة، يتجدد الأمل بأن تعز والمخا معًا تمثلان بوابة اليمن نحو المستقبل، ورافعة حقيقية لمشروع وطني كبير يقوده رجال الدولة والعطاء، يؤمنون بأن اليمن لا يُبنى بالشعارات، بل بالعمل والإرادة والرؤية.