الفساد والنهب والإغلاق التعسفي.. ثلاثية حوثية تخنق ما تبقى من القطاع الصحي

السياسية - منذ 4 ساعات و 53 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

في الوقت الذي يُفترض أن يكون الطب رسالة إنسانية، تحوّل في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي إلى تجارة مربحة تديرها قيادات الجماعة بعقلية الجباية والاستثمار غير المشروع في معاناة الناس. فالمستشفيات الحكومية أصبحت أبوابًا للجباية، والمرافق الصحية العامة تحوّلت إلى مؤسسات خاصة يديرها مشرفون حوثيون يجمعون منها الأموال الطائلة، فيما يفقد ملايين اليمنيين حقهم في العلاج والخدمات الصحية الأساسية.

تعيش المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وعلى رأسها صنعاء والحديدة وذمار وإب، وضعًا صحيًا كارثيًا بفعل التدمير الممنهج الذي طال منظومة الصحة العامة، في ظل سياسة متعمدة لتجفيف مواردها ونهب مخصصاتها وتحويلها إلى مشاريع خاصة تموّل اقتصاد الحرب الحوثي. 

ويصف أطباء ومسؤولون سابقون في وزارة الصحة هذا الواقع بأنه "عودة إلى عصور ما قبل الطب"، حيث يموت المرضى بالأمراض القابلة للعلاج، بينما تزدهر تجارة الدواء الأسود والعمليات الطبية في المستشفيات الخاصة التابعة للنافذين الحوثيين.

إغلاق منشآت صحية

تلقى القطاع الصحي في صنعاء ضربة موجعة جديدة خلال الشهر الماضي، بعدما أقدمت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على إغلاق مئات العيادات الطبية والإسعافية بشكل تعسفي، في خطوة وصفتها الأوساط الطبية بأنها "انتقام سياسي وابتزاز اقتصادي" للكوادر الصحية.

ووفقًا لمصادر طبية وإعلامية، فقد تمت إحالة أكثر من 960 عيادة إسعافية إلى المحاكم خلال سبتمبر الماضي، بناءً على توجيهات القيادي الحوثي مطهر عباس المروني، المعيّن مديرًا لمكتب الصحة في أمانة العاصمة. ومن بين العيادات المستهدفة “عيادة الثقة” في مديرية الثورة وفروعها في السنينة والزبيري، وذلك على خلفية منشورات لرئيس اللجنة التحضيرية لنقابة العيادات الإسعافية الدكتور نضال العزب، انتقد فيها فساد المكتب الحوثي وتجاوزه القانون.

العزب وصف هذه الإجراءات بأنها انتقام ممنهج ومخالف للقانون، مشيرًا إلى أن الجماعة أعادت تفعيل قرار قديم تم تجميده منذ سنوات لمنع منح التراخيص الطبية، بهدف تعطيل العمل ومصادرة العيادات. وأضاف أن "إغلاق العيادات دون إشعار رسمي أو محاضر ضبط يعكس استغلال السلطة لأهداف شخصية وسياسية، وامتهان كرامة الأطباء في سابقة خطيرة منذ عام 2022".

ويرى مراقبون أن هذا التصعيد الجديد يمثل جزءًا من استراتيجية حوثية لتحويل القطاع الصحي الخاص إلى سوق محتكرة تديرها شركات تابعة لقيادات الجماعة، التي تستفيد من فرض رسوم جديدة وابتزاز أصحاب العيادات.

استهداف ممنهج

تزامن الإغلاق الواسع مع حملة اعتقالات وتهديدات طالت العشرات من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، خضع بعضهم لتحقيقات قسرية، ولا يزال عدد منهم قيد الاحتجاز حتى اليوم. حيث أصدرت نقابة العيادات الإسعافية بيانات متعددة طالبت فيها بوقف هذه التجاوزات، ورد الاعتبار للكوادر التي تم استدعاؤها وإهانتها، مع ضمان محاكمات عادلة وحماية قانونية للعاملين في المجال الطبي.

اللجنة التحضيرية للنقابة – التي تضم نحو 70 عضوًا وتمثل أكثر من 3 آلاف عيادة إسعافية – اتهمت الميليشيا الحوثية بإغلاق ما يقارب 1300 عيادة ومرفق طبي خلال الأشهر الأخيرة، منها أكثر من 960 أُحيلت إلى النيابة في سبتمبر فقط، دون أي مسوغ قانوني.

وأكدت النقابة أن الحوثيين استخدموا مادة قديمة من لائحة وزارة الصحة تعود إلى عام 2004 كذريعة قانونية لتصفية حسابات مع الأطباء، ما أدى إلى حرمان آلاف الأسر من مصادر دخلها وحرمان المواطنين من خدمات طبية عاجلة.

وحذّرت النقابة من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية في صنعاء، لافتة إلى أن عشرات الأطباء ومالكي العيادات باتوا مهددين بمصادرة أملاكهم أو إغلاق مؤسساتهم الصحية، فيما يدرس المجلس النقابي خطوات تصعيدية ووقفات احتجاجية أمام مكتب الصحة والنائب العام لمواجهة “الفساد الممنهج في إدارة القطاع الصحي”.

الحديدة على قائمة الإنهيار

وفي محافظة الحديدة، انهارت الخدمات الصحية الحكومية بالكامل وسط غياب التمويل ونهب المخصصات، حيث تحوّلت المستشفيات العامة إلى مؤسسات شبه خاصة يتحكم بها مشرفون حوثيون يفرضون رسومًا باهظة على المرضى.

مصادر طبية أوضحت أن مستشفيي الثورة والعلفي في مدينة الحديدة – وهما من أكبر المرافق الحكومية – أصبحا يفرضان رسومًا مرتفعة تصل إلى مستوى المستشفيات الأهلية، رغم أنهما تابعان للدولة. وأكدت المصادر أن "المرضى الفقراء لم يعد أمامهم سوى العودة إلى منازلهم أو الموت بصمت".

وفي المديريات الريفية، توقفت معظم المراكز والوحدات الصحية عن العمل، خصوصًا في المنصورية والجراحي، بسبب غياب الدعم وانقطاع الأدوية. وأفادت المصادر أن وزارة الصحة في صنعاء تزعم صرف دعم حكومي يقدر بـ 11 مليون ريال للمراكز الصحية في يوليو الماضي، بينما ينفي مكتب الصحة في الحديدة استلام أي مبالغ.

وبحسب المعلومات المتداولة داخل المكتب، فإن مشرفين حوثيين استولوا على المبلغ المخصص للدعم، كما عبثوا بـ 2 مليار ريال كانت مخصصة لأقسام الرقود في المستشفيات الحكومية خلال النصف الأول من العام، بتواطؤ من مسؤولي المكتب.

نتيجة لذلك، توقفت المستحقات المالية للكادر التمريضي منذ أكثر من 8 أشهر، وتحولت المستشفيات الحكومية إلى مؤسسات تجارية تفرض أسعارًا مرتفعة على الخدمات الطبية، في حين يعيش الأطباء والممرضون أوضاعًا معيشية قاسية.

وأكد مصدر طبي: أن استمرار الفساد والنهب سيؤدي خلال الأسابيع القادمة إلى توقف تام للمستشفيات الريفية، ما يعني أن ملايين المواطنين في ريف الحديدة سيُحرمون من أبسط الخدمات الصحية.