حرب اليمن في عامها الحادي عشر.. صراع بلا نهاية وخسارة للجميع
السياسية - منذ 5 ساعات
يدخل اليمن عامه الحادي عشر من الحرب وهو عالق في دائرة مغلقة من الصراع والانقسام، بلا أفق واضح للسلام ولا قدرة على العودة إلى ما قبل الحرب، في ظل واقع سياسي وعسكري متشابك تتداخل فيه الحسابات الإقليمية والدولية، بينما يبقى المواطن اليمني الخاسر الأكبر في حرب لم يخترها.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة العرب اللندنية تحت عنوان "من يربح حرب اليمن؟ لا أحد"، فإن البلاد تبدو اليوم غارقة في مأزق سياسي وعسكري بلا نهاية واضحة، إذ فشلت جميع الأطراف المتصارعة في تحقيق أي نصر حاسم، فيما تتواصل جهود السلام من دون أن تثمر عن اختراق حقيقي.
يرى التحليل أن اليمن يعيش حالة إنهاك شامل، فـ"لا حكومة عدن قادرة على توحيد صفوفها واستعادة مؤسسات الدولة، ولا سلطة صنعاء التي يقودها الحوثيون قادرة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها بما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار".
ويضيف أن الحرب تحولت إلى صراع طويل الأمد على النفوذ والموارد، بينما تتبادل الأطراف السيطرة والاتهامات دون أن تمتلك أيٌّ منها القدرة على الحسم أو التراجع.
وخلال الأسابيع الأخيرة، برز تطور لافت في مسار الأزمة بعد استهداف غارات إسرائيلية لقيادات بارزة في حكومة صنعاء، وهو ما دفع الحوثيين إلى تشكيل حكومة جديدة بالكامل تقريباً، في خطوة عكست حجم الارتباك داخل الجماعة.
في المقابل، تعيش الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً انقسامات حادة داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث تتصاعد الخلافات حول شرعية القرارات وتوزيع النفوذ بين مكوناته، ما جعل سلطة عدن أقرب إلى الشكلية منها إلى الفعلية.
يقول خلدون بكاهيل، المستشار الإستراتيجي في المركز الدولي للحكم بقطاع الأمن في جنيف، إن اليمن يعيش حالة "جمود تام"، فلا طرف يملك القدرة على الحسم، ولا آخر يستطيع الانسحاب أو التنازل. ويؤكد بكاهيل في تصريحات لـمجلة ناشونال إنتريست الأميركية أن الحل العسكري بات مستحيلاً في ظل ميزان القوى القائم، فالحوثيون لن يختفوا بالضربات الجوية، والحكومة لن تُستبعد بفعل الدعم الإقليمي والدولي.
ويشير الخبير إلى أن الدعم الخارجي، رغم أهميته، لم يغيّر من واقع الحرب، بل ساهم في تثبيت الوضع القائم. كما ينتقد غياب سياسة أميركية واضحة تجاه اليمن، واصفاً نهج واشنطن بأنه "سياسة اللا سياسة"، وهو ما أفسح المجال أمام قوى أخرى كروسيا والصين لتعزيز نفوذها في البحر الأحمر والخليج.
ويبرز التحليل أن الصين تنتهج سياسة أكثر توازناً في التعاطي مع الأزمة اليمنية، إذ تحافظ على علاقات مفتوحة مع جميع الأطراف، ما يمنحها مساحة أوسع للتحرك كوسيط محتمل في المستقبل. أما روسيا فتستغل الفراغ الأميركي لتقوية علاقاتها مع القوى الإقليمية، وتستخدم الملف اليمني كورقة ضمن استراتيجيتها الأوسع لمواجهة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد الإنساني، تحولت الحرب إلى مأساة متواصلة، إذ يعيش أكثر من ثلثي السكان تحت خط الفقر، ويعتمد معظمهم على المساعدات التي لا تصل بانتظام بسبب انعدام الأمن وتعقيدات الصراع. كما أدت انهيارات العملة والخدمات الأساسية وانتشار الأوبئة إلى تحويل الحياة اليومية إلى معركة بقاء، في حين يعاني ملايين الأطفال من سوء التغذية وانقطاع التعليم.
يرى بكاهيل أن الخروج من هذا المأزق يتطلب مفاوضات شاملة تضم جميع القوى المؤثرة على الأرض، بما في ذلك الحوثيون والمكونات القبلية والمناطقية، مؤكداً أن إقصاء أي طرف سيعيد إنتاج الصراع في شكل جديد. ويضيف أن اليمن يقف اليوم على مفترق طرق مصيري: إما المضي نحو تسوية سياسية شاملة تُعيد بناء الدولة على أسس جديدة من الشراكة والتوازن، أو البقاء في دوامة الحرب التي تهدد بتحويل البلاد إلى فسيفساء من الكيانات المتناحرة.
وبينما تواصل سلطنة عمان جهودها الهادئة في تقريب وجهات النظر، يرى المراقبون أن غياب الضغط الدولي الفعلي وتباين المصالح الإقليمية يمنع أي تقدم ملموس نحو السلام. ويجمع المحللون على أن أي تسوية حقيقية يجب أن تكون يمنية – يمنية أولاً، وأن تُبنى على عقد اجتماعي جديد يعترف بالتنوع السياسي والمناطقي، ويؤسس لحكم لا مركزي يوازن بين المركز والأطراف.
بعد أحد عشر عاماً من الحرب، يبدو اليمن غارقاً في معادلة معقدة من العجز السياسي والتدخلات الخارجية والإنهاك الإنساني. ومع غياب الإرادة الإقليمية والدولية لفرض حل شامل، يظل السلام في اليمن حلماً مؤجلاً، بينما تستمر الحرب في استنزاف بلد أنهكته الأزمات، وجعلت من مستقبله رهينة لصراعات لا رابح فيها.