جرحى الحرب في تعز ومأرب.. أبطال ضحّوا بأجسادهم فخذلتهم السلطة وأرهقهم الإهمال

السياسية - منذ ساعتان و 21 دقيقة
تعز- مأرب، نيوزيمن، خاص:

وسط برد الشتاء القارس وأوجاع الجراح التي لم تلتئم بعد، يواصل العشرات من جرحى الحرب في محافظتي تعز ومأرب اعتصاماتهم المفتوحة، احتجاجًا على ما يصفونه بـ"الإهمال المتعمد" و"الخذلان الرسمي" من قبل السلطات المحلية والحكومية، التي تجاهلت معاناتهم رغم مرور سنوات على إصابتهم في جبهات القتال دفاعًا عن الوطن والجمهورية.

تبدو ملامح الألم واضحة على وجوههم، لكن الأكثر وجعًا هو إحساسهم بأن الوطن الذي دافعوا عنه قد نسيهم. في أحد المقاطع المؤثرة التي تداولها ناشطون، يُسمع أحد الجرحى وهو يصرخ بحرقة: "ضحينا بكل ما نملك بأجسادنا وأرواحنا من أجل الوطن، لكننا اليوم نُقابل بالنسيان والإهمال، نريد فقط حقوقنا الإنسانية والقانونية المشروعة."

ورغم الجراح، خرج هؤلاء الأبطال إلى الشوارع لا طلبًا للصدقات، بل للمطالبة بحقوقهم التي كفلها القانون ووعود المسؤولين. فقد نفذت رابطة جرحى تعز، الثلاثاء، وقفة احتجاجية أمام مقر دائرة الرعاية الاجتماعية بمدينة تعز، مطالبة بصرف مستحقاتهم المالية المتوقفة منذ أشهر، وتوفير الرعاية الصحية والعلاجية اللازمة، وإنهاء ما وصفوه بالإهمال والتجاهل الرسمي لمعاناتهم المستمرة.

وقالت الرابطة في بيان صادر عنها إن الجرحى يعيشون أوضاعًا إنسانية قاسية بسبب انقطاع الرواتب والإكراميات وغياب الرعاية الطبية، رغم توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بسرعة معالجة أوضاعهم بصورة عاجلة. وأكد البيان أن "جرحى تعز قدموا تضحيات جسيمة في سبيل الدفاع عن الوطن والجمهورية، إلا أن ما يواجهونه اليوم من تهميش وحرمان يمثل خذلانًا لتلك التضحيات ومساسًا بقيم الوفاء الوطني".

وطالب المحتجون بسرعة صرف الرواتب المتأخرة منذ خمسة أشهر، والإسراع في إشهار الهيئة الوطنية لشؤون الجرحى والشهداء، وصرف الإكراميات والمستحقات المجمدة، وتسفير الجرحى المحتاجين للعلاج في الخارج، واستكمال علاج العالقين، واعتماد التعزيز المالي للترقيات وتسوية أوضاعهم أسوة ببقية الوحدات العسكرية.

وشهدت الوقفة مشاهد مؤلمة، حين أقدم أحد الجرحى على إحراق قدمه الصناعية تعبيرًا عن غضبه من التجاهل الحكومي، في تصرف صادم أثار تعاطفًا واسعًا في الشارع اليمني.

وفي مأرب، يواصل العشرات من جرحى الجيش اعتصامهم المفتوح منذ نحو أسبوع للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة وتسفير الجرحى المحتاجين للعلاج في الخارج. يقول الجريح سلطان الطلقي: "نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط رواتبنا التي انقطعت منذ أشهر. الغلاء ينهشنا، والحكومة تتجاهلنا. توحيد الرواتب مطلبٌ عادل لتوحيد الصفوف."

فيما يؤكد النقيب حكيم الشرف الجرادي أن الاعتصام سيستمر حتى تلبية المطالب، مضيفًا: "قدّمنا أرواحنا وأجسادنا في سبيل الوطن، وكان الأولى أن نُكرَّم لا أن نُترك نتسوّل حقوقنا. أما الدكتور محمد الجعدان، الأمين العام لرابطة الجرحى، فقال: "مكان الجرحى فوق الرؤوس، لا في الشوارع بحثًا عن حقوقهم. استمرار هذا الإهمال وصمة عار على جبين كل من يملك قرارًا ولم يتحرك."

على وسائل التواصل، أطلق ناشطون حملة تضامن واسعة مع الجرحى تحت وسم #لن_نخذلهم، عبّر فيها المواطنون عن سخطهم من تقاعس الجهات الرسمية، فيما أطلقت مبادرات محلية لجمع التبرعات وتوفير الغذاء والبطانيات والأدوية للمعتصمين.

ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات تمثل انفجارًا إنسانيًا في وجه الإهمال الحكومي المتواصل منذ سنوات، وأن صبر الجرحى بدأ ينفد في ظل استمرار الوعود دون تنفيذ، وتحول ملفهم الإنساني إلى ورقة مهملة في أروقة البيروقراطية.

وفي تصريح للكاتب الصحفي توفيق الحميدي، قال: "كانت الحرب، في بدايتها، تبدو كأنها فصل عابر في حياة وطنٍ أنهكته الأزمات، لكن أحدًا لم يدرك أن آثارها ستتجاوز صوت المدفع لتسكن أجساد الرجال الذين حملوا الوطن على أكتافهم. عادوا بأجسادٍ ناقصةٍ وقلوبٍ مفعمةٍ بالإيمان، لكنهم وجدوا دولةً لم تتعلم كيف تداوي جراح أبطالها".

وأضاف: "جرحى الجيش الشرعي ليسوا مجرد أجسادٍ أنهكتها الحرب، بل أرواحٌ ما زالت تقاتل في صمتٍ مرير ضد الإهمال والنسيان... لقد أصبحنا جميعًا عارًا أمام هؤلاء الجرحى إن سكتنا، لأن المعاملة التي يتعرضون لها ليست إهمالًا عابرًا، بل خيانةٌ لمعنى التضحية ولمفهوم الوطن نفسه."

ويختم الحميدي بالقول: "كرامة الجرحى هي آخر جبهات الشرف، فمن فقد ساقه في سبيل الوطن لا يجوز أن يفقد كرامته فيه، ومن ضحى بروحه لا ينبغي أن يُترك يذبل في العزلة والخذلان."