تحليل: هل سيرفع العليمي علم الجمهورية على جبال مران؟

تقارير - Wednesday 01 May 2024 الساعة 09:46 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

قبل أيام قليلة، وأثناء زيارته الأولى لمحافظة مأرب، تعهد رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي بتحرير العاصمة صنعاء وبقية المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن.

وصف الرئيس العليمي مناطق سيطرة المليشيا الحوثية بالمنكوبة، بسبب الظلم الذي نزل بسكانها من قبل المليشيا التي اتبعت سياسة إفقار المواطنين وتجويعهم وسرقة ممتلكاتهم وأموالهم تحت مسميات مختلفة. كما وصف مأرب بأنها صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر لاستعادة مؤسسات الدولة وتحرير المناطق التي ترزح تحت نير الحكم المليشاوي الهجين بين النظام الإمامي البائد وبين نظام الملالي الفارسي.

تعهُّد التحرير بين رئيسين

تعهُّد الرئيس العليمي بتحرير صنعاء يذكّر بما أعلنه الرئيس السابق عبدربه منصور هادي قبل تسع سنوات، حيث تعهّد في مارس 2015 أنه سيرفع علم الجمهورية اليمنية على جبال مران بدلا من العلم الإيراني. كان ذلك أول خطاب تلفزيوني للرئيس هادي منذ وصوله إلى عدن بعد إفلاته من الإقامة الجبرية التي وضعته المليشيا الحوثية تحتها في صنعاء، وقد أعلن أن عدن ستكون "عاصمة مؤقتة" لليمن حتى تحرير العاصمة صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي. ثم تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لدعم السلطة الشرعية وإنهاء الانقلاب، لكن بعد ثماني سنوات من الحرب ضد المليشيا الحوثية، سلّم الرئيس هادي السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي بناء على مشاورات الرياض مطلع أبريل 2022.

في ذلك الخطاب دعا الرئيس هادي الحوثيين إلى الرحيل عن صنعاء وإخلاء مقرات الحكومة في العاصمة، كما حث كافة الأطراف السياسية على المشاركة في محادثات سلام في العاصمة السعودية الرياض. وشدد على أن الوضع السياسي في اليمن يجب أن يعود إلى ما كان عليه قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء بإعادة العمل بالدستور، وتنفيذ قرارات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية. كما خيّر الحوثيين بين القبول بتحقيق عدد من مطالبهم أو مواجهة موقف رئاسي وشعبي حازم. ثم اتضح خلال سنوات الحرب أن مطالب المليشيا الحوثية لم تكن غير رماد قامت بذرّه على عيون الشعب اليمني لتمرير مشروعها الطائفي في السيطرة على كافة الأراضي اليمنية، انطلاقا من اعتقاد خرافي بأحقية الهاشميين في حكم اليمن. ولتحقيق هذا المشروع، تحالف الحوثيون مع إيران التي تستغل الجماعات الشيعية في المنطقة العربية للحصول على موطئ نفوذ تنافس به القوى الغربية.

ظل الرئيس هادي يكرر تصريحه عن رفع العلم الجمهوري على جبال مران في أكثر من مناسبة، إحداها في فبراير من العام 2017، عندما زار جزيرة/ محافظة سقطرى، حيث قال: "سنبني اليمن الاتحادي الجديد ونرفع علمنا الغالي فوق جبال مران". وأضاف إن بناء اليمن الاتحادي وإنهاء الانقلاب الحوثي هو مشروعه في الحكم، مذكّرا بتضحيات الشهداء من خيرة رجال وشباب اليمن من أجل هذا المشروع. وتابع حديثه بثقة قائلا: "لن تحكمنا إيران وأدواتها مهما كلفنا ذلك". 

صنعاء "خط أحمر"

في ديسمبر من العام 2022، وبعد أربع سنوات من توقيع اتفاق ستوكهولم الذي أعاق معركة تحرير محافظة الحديدة، قال رئيس مجلس النواب سلطان البركاني في إحدى الفعاليات الجماهيرية، إن أمريكا هي التي أعاقت معركة تحرير العاصمة صنعاء بعد أن وصلت القوات الحكومية إلى فرضة نهم. لم يحظ تصريح البركاني باهتمام كبير رغم أنه ذكر تفاصيل الإعاقة الأمريكية لتحرير صنعاء، مؤكدا أن السفير الأمريكي لدى اليمن، آنذاك، ماثيو تيلر، قال لرئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيد بن دغر عندما كانت القوات الحكومية تتقدم عبر فرضة نهم: "صنعاء خط أحمر".

استمرت سيطرة القوات الحكومية على فرضة نهم ثلاثة أشهر فقط، من ديسمبر 2015 إلى فبراير 2016، ثم بدأت المعارك تحتدم على هذه الجبهة الاستراتيجية، وصولا إلى أغسطس من نفس العام، حين انتهت مفاوضات الكويت دون تحقيق أي تقدم في الحل السياسي. بعدها قادت الأمم المتحدة مساعي للتهدئة طبقا للخط الأحمر الأمريكي، وانسحبت القوات الحكومية من جبهة نهم لتسيطر عليها مليشيا الحوثي.

معركة الحديدة

بعد سيطرة المليشيا الحوثية على فرضة نهم، فتحت الحكومة الشرعية جبهة أخرى كبيرة لتحرير محافظة الحديدة، ومرة أخرى تدخل الخط الأحمر الأمريكي والبريطاني لإعاقة هذه المعركة بفرض اتفاق ستوكهولم على الحكومة في ديسمبر 2018. ورغم أن الاتفاق قضى بانسحاب الطرفين من مدينة الحديدة، إلا أن مليشيا الحوثي عززت قبضتها على المدينة وسط تخاذل من قبل اللجنة العسكرية الأممية (أونمها) المشكّلة للإشراف على تنفيذ اتفاق ستوكهولم سيئ الذكر.

تم إطلاق اسم "الرمح الذهبي" على معركة تحرير الحديدة وكان يمكن أن تنجح مثلما نجحت عملية "السهم الذهبي" في تحرير مدينة عدن ودحر ذراع إيران منها، إلا أن الخط الأحمر الأمريكي والبريطاني استمر في تمكين مليشيا الحوثي من السيطرة على عدد من المناطق المحررة، وأهمها المناطق الواقعة في العمق الاستراتيجي لمحافظة مأرب. وقد انتظرت مليشيا الحوثي لمدة عامين لتجهيز قواتها بالأسلحة والمقاتلين الذين معظمهم من الأطفال والشباب تحت عمر العشرين، وبدأت هجومها بإطلاق صاروخ بالستي على تجمع للقوات الحكومية مما أسفر عن مقتل ما يقارب 116 جنديا وإصابة العشرات. كان يمكن أن ينسف هذا الهجوم كل اتفاقات التهدئة مع المليشيا الحوثية الغادرة، لكن المجتمع الدولي اكتفى بالإدانات فقط. وبالتزامن مع انشغال العالم بوباء كورونا عام 2020، أطلقت هجوما متعدد المسارات على مديريات مأرب الشرقية والشمالية والجنوبية، ولم يوقفها الخط الأحمر الأمريكي عن السيطرة على مدينة مأرب، بل أوقفها صمود المقاتلين الجمهوريين من جنود ورجال قبائل مخلصين، مسنودين بغارات طيران التحالف العربي.

عجز الحوثي عن السيطرة على مأرب، كما عجز عن السيطرة على مدينة تعز ومديرياتها الجنوبية والغربية، ولم يكن أمام الخط الأحمر الأمريكي والبريطاني سوى أن يقبل بهذه المعادلة. ويعتقد مراقبون ونشطاء أنه كان يمكن أن تضع الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي خطوطها الحمراء أيضا في مقابل هذا الخط، وأن تتحدث مصادرها الرسمية عن الضغط الأمريكي والبريطاني لإعاقة حربها لتحرير اليمن من هذه المليشيا السرطانية. لكن المصادر الرسمية للحكومة ودول التحالف العربي التزمت الصمت حتى جاءت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحرين الأحمر والعربي، لتؤكد الكارثة التي تسببت بها واشنطن ولندن لليمن مقابل حمايتها الملتوية لمليشيا أصبحت تشكل خطرا على المصالح الإقليمية والدولية.

هل يفعلها الرئاسي؟

هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس مجلس القيادة الرئاسي عن استعادة مؤسسات الدولة وتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية، فقد تحدث عن ذلك في أكثر من مناسبة، كما تحدث عنه أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في مناسبات عدة.

يرى مراقبون وخبراء أن القوات الحكومية لا ينقصها العتاد والمقاتلون ولا الشجاعة لتحرير صنعاء وجميع المحافظات الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية، بل ينقصها التخطيط الجيد وحسن الإدارة للعمليات العسكرية وللموقف الإقليمي والدولي لدعم عملية التحرير التي طال انتظارها. وفي كلمته التي تعهد فيها بتحرير صنعاء وبقية المناطق "المنكوبة" بالانقلاب الحوثي، قال الرئيس العليمي، إن هذا التوجه يتطلب قبل كل شيء، قدرا كبيرا من التوافق الوطني وتسخير الإمكانيات لتحقيق هذا الهدف.