تشهد المنطقة تحولات عميقة وكبيرة، تعيد صياغة توازناتها وتفاعلات أطرافها. فبعد الضربة القاسية التي تلقتها طهران، وتدمير برنامجها النووي – ولو جزئياً – وبعد انكماش الدور الإقليمي الذي كان يقوم به "حزب الله" وتمحوره حول حماية وجوده ونفوذه في الداخل اللبناني، إثر إمكانية تجريده من السلاح؛ تبرز العديد من التساؤلات حول انعكاس هذه التحولات على جماعة الحوثي الإرهابية، وهل يمكنها أن تعيد رسم خريطة طموحاتها بما يتناسب مع الواقع الجديد في المنطقة، أم أنها ستبقى تحمل راية طهران وبندقية الخامنئي عند باب المندب؟
لا شك أن الضربة التي تلقتها إيران ستدفع قيادات الحوثي – إذا كان لديهم فضاء في الوعي السياسي – إلى بناء استراتيجية جديدة تتماشى مع الواقع الجديد في المنطقة. ولكن هذا البناء قد يواجه معضلة حقيقية يمكن أن تجعل من سقوطهم أكثر قابلية للتحقق، وتكمن هذه المعضلة في انعدام الفرص التي يمكن معها أن تكون الجماعة قادرة – دون أن تخسر – على الاستدارة والتوقف عن نفخ البالونة التي تظهر بها أمام الرأي العام، في استغلال بشع للحرب الصهيونية على غزة.
إذا قررت جماعة الحوثي أن تؤمن بالواقع الجديد، وتحافظ مستقبلاً على كيانها كجماعة يمكن أن تنخرط في الفضاء السياسي اليمني الجمعي، فعليها أن تصارح نفسها أولاً، وتقوم بمراجعة حقيقية لتوجهاتها وأفكارها الطائفية والعنصرية؛ وأن تتخلى عن فكرة التمييز الطبقي التي أسهمت في تشظي المجتمع، وأوغلت كثيراً في فرض أجندة خاصة تحت مبرر "الحق الإلهي"، وأن تؤمن بالتعدد السياسي والثقافي والاجتماعي، وحصر السلاح بيد الدولة.
بدون أي مراجعة حقيقية، لا يمكن لها الاستمرار في الذهاب نحو تحقيق طموحاتها، ولا يمكن لها أن تحقق جزءاً منها في المناطق التي تسيطر عليها بالحديد والإرهاب والقمع؛ لأن حالة الرفض المجتمعي بلغت مستويات متقدمة في تلك المناطق. فلم يعد هناك أي شماعة يمكن للحوثية أن تعلق عليها فشلها وانكشاف حقيقتها، فعشر سنوات استُنفدت فيها كل مبرراتها للتوغل في المجتمع، وأصبحت الآن عارية من كل القيم، وعزلت نفسها بعيداً عن المجتمع.
المتغيرات في المنطقة هي فقط استكمال للعوامل الداخلية المؤثرة في سقوط الحوثية الإرهابية، فكل العوامل لا تتواءم مع طموحات الحوثية وإمكانية استمرارها جاثمة على صنعاء، وخانقة ومهددة لباب المندب. لم يعد هناك تعاطف دولي بعد أحداث البحر الأحمر، وليس هناك إمكانية كبيرة لأن تستمر إيران في ضخ إمكانياتها نحو رهان خاسر.
ومهما كانت "الشطحات" الحوثية في هذه الفترة، والتهويل الإعلامي، وخلق تصورات عن القوة وعدم الخوف... إلخ، فهي لا تغيّر من حقيقة أن عوامل سقوطها قد اكتملت، وليس أمامها إلا أن تحاول التخفيف من آثار السقوط من خلال قبولها بالدخول في تفاهمات حقيقية مع بقية الأطراف الداخلية؛ لتسليم صنعاء، والتخلي عن السلاح، والعودة نحو اليمننة بدلاً من الأجندة الإيرانية.
بهذا يتحقق السلام، ويطمئن المجتمع الدولي من عدم وجود تهديدات إرهابية تقلق السلم والأمن الدوليين في البحر الأحمر وباب المندب.