منذ أكثر من عقدٍ، ومليشيا الحوثي تحترف صناعة الحرب كما تحترف المافيا تجارة الدم؛ فهي لا تستطيع العيش في بيئةٍ سلمية، ولا في ظل دولة مؤسسات، لأن السلام يعني نهاية سلطتها وانكشاف زيف شعاراتها.
هذه الجماعة التي قامت على الانقلاب والسلاح لا تملك مشروع دولةٍ، ولا رؤيةً وطنية، بل تعيش على استدامة الصراع وافتعال الأزمات لتطيل من عمر وجودها في السلطة، ولو على حساب معاناة ملايين اليمنيين.
الحوثي لا يقاتل من أجل قضية، بل من أجل البقاء؛ فكلما اقتربت فرص السلام، أشعل حربًا جديدة في جبهةٍ ما، أو افتعل أزمةً داخلية، أو أطلق تهديداتٍ خارجية لتغيير مسار الأنظار. فالحرب بالنسبة له ليست وسيلةً لتحقيق هدفٍ سياسي، بل شرط وجودٍ وبقاء.
لقد بنى سلطته على الخوف والدم والابتزاز، وتحول إلى كيانٍ يستمد شرعيته من استمرار المعاناة. فالمناطق التي يسيطر عليها تعيش حالة حصارٍ داخلي خانق، والإعلاميون والأكاديميون والمثقفون والناشطون يُعتقلون بشكلٍ يومي تحت تهمٍ ملفقة، في سجونٍ تكتظ بمعتقلي الرأي الذين يُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية، وبعضهم يُحقن بإبرٍ سامةٍ تؤدي إلى الموت البطيء بعد تعذيبٍ مروّع.
في ظل الحرب، يمارس الحوثي كل صنوف الانتهاكات تحت غطاء "المعركة المقدسة"، فينهب الأموال العامة والخاصة باسم "المجهود الحربي"، ويُجند الأطفال بالقوة، ويفرض الجبايات على التجار، ويصادر الحريات الدينية والفكرية، ويقمع المرأة والمجتمع المدني بكل أشكاله.
هذه ليست مجرد مخالفاتٍ حقوقية، بل هي جرائم ممنهجة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي. ومع ذلك، يقف المجتمع الدولي صامتًا كأنه يرى ولا يُبصر، يسمع ولا يتحرك. لقد تحولت السجون الحوثية إلى مقابر سرّية، وحولت أجهزة "الأمن الوقائي" إلى أدوات ترهيبٍ تتفنن في التعذيب والقتل البطيء.
ومع ذلك، لم نرَ تحقيقًا دوليًا جادًا أو موقفًا حازمًا من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، بل تُمنح الجماعة في كل مرةٍ فرصةً جديدة تحت ذريعة "إشراكها في العملية السياسية"، وكأن العالم يكافئ الجلاد على جرائمه. هذا التهاون ليس حيادًا، بل تواطؤٌ ضمني يمنح الحوثي ضوءًا أخضر للاستمرار في انتهاكاته.
على المجتمع الدولي أن يدرك أن الحوثي لا يمكن إصلاحه بالحوارات، ولا تهذيبه بالبيانات؛ لأنه كيان يقوم على فكرة الحرب الأبدية، وكل محاولةٍ لإرضائه تنتهي بمزيدٍ من الدماء.
آن الأوان لتصنيف هذه المليشيا كمنظمةٍ إرهابيةٍ تمارس العنف المنهجي ضد المدنيين، وفرض عقوباتٍ حقيقيةٍ على قياداتها، وحظر سفرهم، وتجميد أموالهم، وفتح تحقيقٍ دوليٍّ مستقل تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان في جرائم الاعتقال والتعذيب والإعدام خارج القانون.
فاليمن اليوم لا يحتاج إلى بيانات تنديدٍ جديدة، بل إلى إرادةٍ دوليةٍ تُجرّم الجناة وتحمي الضحايا. العالم الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان مطالبٌ بأن يثبت صدقه في اليمن، حيث يعيش ملايين المدنيين تحت قبضة مليشيا جعلت من الحرب موردًا، ومن الموت صناعة.
الحوثي يعيش بالحرب ويموت بالسلام، ولهذا فإن فرض السلام عليه هو أعظم أشكال العدالة، وأول خطوةٍ في طريق إنقاذ اليمن من دوامة الدم التي صنعها بيده.
>
