تصعيد حوثي ضد حزب المؤتمر وقياداته.. نهب العقارات وإجراءات ترهيب

السياسية - منذ ساعتان و 44 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

في سياق علاقة متدهورة عنوانها "التوتر والتصعيد"، دخلت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في مواجهة مفتوحة مع حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، متخذة سلسلة إجراءات استهدفت الحزب وقياداته، كان أبرزها التحرك الممنهج للاستيلاء على أصوله وعقاراته تحت غطاء أحكام قضائية صادرة عن محاكم الجماعة التي تفتقر للشرعية والمصداقية. 

ويأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه العلاقة بين الطرفين حالة من الجمود والريبة منذ اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح، زعيم الحزب، غير أن التحركات الأخيرة تعكس بعدًا استراتيجيًا جديدًا، إذ يسعى الحوثيون من خلالها لتفكيك قوة المؤتمر السياسية والاقتصادية قبل أن تتحول إلى أي تهديد محتمل على جبهتهم الداخلية.

ويشير مراقبون إلى أن الجماعة تشعر بالضغط المتزايد نتيجة التحولات الإقليمية والدولية، من العقوبات الأمريكية وتراجع الدعم الإيراني إلى تراجع إمكانيات التمويل العسكري، ما يجعلها في موقع دفاعي، ويحفزها على اعتماد استراتيجيات استباقية للسيطرة على أي فاعل سياسي قادر على تحريك الجبهة الداخلية، ويأتي حزب المؤتمر في صدارة هذه التحركات باعتباره القوة الأكثر تأثيرًا وتنظيمًا داخل مناطق سيطرة الحوثيين.

نهب منظم بغطاء قضائي

مصادر سياسية أكدت أن قيادات حوثية بارزة وضعت منذ أشهر عقارات حزب المؤتمر الشعبي العام، خاصة في العاصمة صنعاء، على قائمة أهدافها الاقتصادية، باعتبارها من أهم الأصول العقارية في المدينة وأكثرها عائدًا. ومنذ ذلك الحين، شرعت الجماعة في تنفيذ خطة متعددة المراحل تبدأ بحملة إعلامية منظمة، تروّج عبر وسائل إعلامها ومنصاتها الإلكترونية لرواية مفادها أن أغلب هذه الممتلكات كانت ملكًا عامًا للدولة قبل أن يتم تمليكها للمؤتمر الشعبي العام بقرارات وتوجيهات مباشرة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في محاولة لتشويه شرعية ملكية الحزب لها وإعداد الأرضية النفسية والذهنية لتقبل مصادرتها.

ورغم أن إثارة هذه القضية تعود إلى عام 2018 حين استخدمتها الجماعة كورقة ضغط سياسية وابتزاز مالي على قيادات الحزب، فإنها في العامين الأخيرين انتقلت إلى مرحلة أكثر عدوانية، عبر خطاب تحريضي صريح يدعو إلى إعادة ملكية تلك العقارات للدولة أو ضمها إلى أراضي الأوقاف، مع تسويق ذلك كخطوة "تصحيحية" لرد الحقوق العامة – وفق مزاعمهم – بينما الحقيقة أنها جزء من مشروع منظم لإعادة توزيع الثروة لصالح دائرة ضيقة من القيادات الحوثية.

وفي إطار هذا المخطط، لعب مكتب الحارس القضائي التابع للجماعة دورًا محوريًا في تحويل النوايا إلى خطوات عملية، حيث استعان بمحامين مقربين من القيادي البارز محمد علي الحوثي لإعداد سلسلة دعاوى قضائية تحت مسمى “استعادة عقارات الدولة”. وشملت هذه الدعاوى مبنى اللجنة الدائمة للمؤتمر – أحد أبرز رموز الحزب – ومجموعة من المباني في "المدينة الليبية" الواقعة شمال صنعاء، بالإضافة إلى مساحات من الأراضي في حي الحصبة، وهي من المناطق العقارية المهمة في العاصمة.

ولم تكتف الجماعة برفع القضايا، بل أوعزت لأذرعها الأمنية والاستخباراتية بحصر عشرات العقارات الأخرى التابعة للمؤتمر، وإعداد ملفات تفصيلية حولها تتضمن خرائط، وصورًا، وتوصيات "أمنية" تتهم الحزب باستخدام هذه العقارات في أغراض مناهضة للجماعة. وتم رفع هذه الملفات إلى مكتب زعيم الحوثيين مرفقة بمسوغات قانونية وسياسية مختلقة، صيغت بعناية لتمنح قرارات المصادرة غطاءً قانونيًا وهميًا، في حين أن الهدف الحقيقي يتمثل في الاستحواذ على أصول استراتيجية وتوجيه عوائدها لدعم النفوذ المالي والعسكري للجماعة.

توسع في الاستيلاء وصراع داخلي

تشير المصادر إلى أن ملف عقارات حزب المؤتمر الشعبي العام لم يعد مجرد قضية نهب عقاري منظم، بل تحول إلى ساحة صراع بين أجنحة نافذة داخل جماعة الحوثي، حيث تتباين الرؤى والمصالح بشأن مصير هذه الممتلكات. فهناك جناح يدفع بقوة نحو إبقائها تحت الحراسة القضائية التي يسيطر عليها مقربون من مكتب زعيم الجماعة، باعتبار ذلك يضمن استمرار تدفق عائداتها المالية بشكل مباشر إلى خزينة الحارس، وبالتالي إلى مشاريع وأجندات خاصة خارج أي إطار رقابي. في المقابل، يرى جناح آخر – يضم شخصيات مرتبطة بالقطاع المدني للدولة تحت سيطرة الحوثيين – أن الأفضل هو إعادة ملكية هذه العقارات إلى الدولة من الناحية الشكلية، بما يتيح لهم إدارة أصولها عبر المؤسسات الحكومية التي باتت تحت قبضتهم، وبذلك يمنحون عملية النهب غطاءً قانونيًا أوسع. أما الجناح الثالث، والذي يضم قيادات عسكرية وميدانية، فيضغط باتجاه تأجير تلك العقارات واستخدام عائداتها لتمويل الجبهات القتالية، خصوصًا في ظل شح الموارد وتراجع الدعم الخارجي.

وفي خضم هذا التنافس المحموم، توسع نطاق الاعتداءات على ممتلكات المؤتمر لتشمل مناطق شمال العاصمة صنعاء، حيث تعرضت عقارات تابعة للحزب لعمليات استيلاء مباشرة من قِبل ما يُعرف بـ"لجنة أراضي القوات المسلحة"، وهي لجنة يقودها القيادي الحوثي أبو حيدر جحاف المعروف بنفوذه الواسع في ملف الأراضي. وبحسب المصادر، فإن هذه اللجنة استخدمت القوة لطرد القائمين على بعض العقارات والسيطرة عليها بالقوة، فيما عمد الحارس القضائي – الذي يمثل واجهة قانونية للجماعة – إلى حجز عدد من العقارات الأخرى بحجة أنها كانت مملوكة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، على الرغم من وجود وثائق رسمية تؤكد تبعيتها القانونية لحزب المؤتمر. والأدهى من ذلك، أنه بعد حجز هذه العقارات، جرى تأجيرها لجهات خاصة أو مؤسسات خاضعة للجماعة، لتتحول إلى مصدر دخل ثابت يذهب إلى جيوب قيادات بعينها.

هذا التوسع في الاستيلاء، الممزوج بصراع داخلي على تقاسم الغنائم، يعكس ليس فقط الطابع الممنهج لعملية النهب، بل أيضًا هشاشة البنية الداخلية للجماعة التي يبدو أن خلافاتها على توزيع المكاسب باتت تطفو على السطح، ما ينذر بإمكانية انفجار صراعات أوسع بين مراكز النفوذ في المستقبل القريب.

تصعيد ميداني وإجراءات ترهيب

التحرك الحوثي على ملف عقارات حزب المؤتمر الشعبي العام لا يمكن النظر إليه كإجراء منفصل، بل يأتي في إطار موجة تصعيد شاملة وواسعة النطاق استهدفت الحزب وقياداته خلال الأسابيع الأخيرة. فقد شهدت العاصمة صنعاء سلسلة من الأحداث التي حملت رسائل واضحة بالترهيب السياسي والأمني، أبرزها اقتحام مجاميع مسلحة تابعة للجماعة، مدججة بالسلاح، لاجتماع تنظيمي لقيادات مؤتمرية في أحد مقرات الحزب، حيث أجبروا المجتمعين على إنهاء الجلسة ومغادرة المكان تحت التهديد، في مشهد عكس نية واضحة لفرض هيمنة مطلقة على أي نشاط سياسي خارج إرادة الجماعة.

تلا ذلك قيام سلطات الحوثيين بمصادرة مبالغ مالية كانت مخصصة لإحياء الذكرى السنوية لتأسيس الحزب أواخر أغسطس الجاري، وهو إجراء لم يكن مجرد استهداف مالي، بل خطوة سياسية تهدف إلى حرمان المؤتمر من أي منصة جماهيرية يمكن أن يعبر من خلالها عن حضوره أو استقلاليته، خصوصًا في ظل حساسية المرحلة السياسية والأمنية التي تمر بها الجماعة.

وفي خطوة تصعيدية أخرى، أصدرت إحدى المحاكم الخاضعة لسيطرة الحوثيين في نهاية يوليو الماضي حكمًا غيابيًا بإعدام أحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس الأسبق ونائب رئيس حزب المؤتمر (جناح صنعاء)، وهو حكم وصفه مراقبون بأنه مؤشر خطير على دخول العلاقة بين الجانبين مرحلة غير مسبوقة من القطيعة، وتخلٍّ كامل عن أي مظهر من مظاهر التحالف السياسي الذي جمعهما منذ مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017.

إلى جانب هذه الإجراءات العلنية، لجأت الجماعة إلى أسلوب أكثر هدوءًا لكنه لا يقل خطورة، تمثل في فرض قيود صارمة على تحركات عدد من قيادات الحزب، وعلى رأسهم رئيس الحزب في صنعاء صادق أمين أبو راس، الذي تشير المعلومات إلى خضوعه لإقامة جبرية غير معلنة. وبحسب ناشطين مؤتمريين، فإن هذه السياسة تدخل ضمن استراتيجية ترهيب ممنهجة تهدف إلى تحييد قيادات المؤتمر وإبقائهم تحت الرقابة المستمرة، بما يمنعهم من إجراء أي اتصالات أو تنسيق داخلي قد يشكل نواة لتحرك سياسي أو تنظيمي ضد الجماعة.

ويرى مراقبون أن هذا النهج التصعيدي يعكس مخاوف الحوثيين من تحوّل حزب المؤتمر إلى منصة معارضة من داخل مناطق سيطرتهم، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي قد تشجع على إعادة تفعيل دوره كورقة ضغط سياسية وربما عسكرية ضد الجماعة.

دوافع استراتيجية وخشية من المستقبل

يرى محللون سياسيون أن السياسات التصعيدية التي تنتهجها جماعة الحوثي تجاه حزب المؤتمر الشعبي العام تعكس حالة الجمود التي ضربت العلاقة بين الطرفين منذ مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح أواخر 2017، لكنها اليوم تتغذى على دوافع أعمق وأكثر استراتيجية. 

قال وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أسامة الشرمي، في تصريح لقناة "الحدث"، إن مليشيا الحوثي تخشى أي تحركات لحزب المؤتمر الشعبي العام، معتبرًا أن الجماعة تخشى أن يحذو الحزب حذو الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح في مواجهة الجماعة. وأوضح الشرمي أن هذا الخوف ينبع من المكانة التاريخية والسياسية للمؤتمر الشعبي العام، الذي يمتلك تأثيرًا شعبيًا كبيرًا وقدرة على تحريك قواعده، ما يجعله تهديدًا مباشرًا للهيمنة الحوثية داخل مناطق سيطرتها.

وأضاف الشرمي أن الحوثيين يحاولون منذ سنوات تقويض قدرة المؤتمر على التعبير عن نفسه وتنظيم صفوفه، سواء عبر الحملات الإعلامية أو الإجراءات الميدانية والقضائية التي تستهدف ممتلكاته وقياداته، في محاولة لإحكام السيطرة السياسية ومنع أي مواجهة مستقبلية مماثلة لما حدث مع الرئيس صالح. وأكد أن هذا التصعيد ليس مجرد نزاع حزبي، بل يعكس استراتيجية جماعة الحوثي في السيطرة على المشهد السياسي والاقتصادي، والتقليل من أي تأثير محتمل قد يغير موازين القوة داخل مناطق سيطرتها.

وأشار الشرمي إلى أن المقاومة السياسية والمجتمعية للمؤتمر الشعبي العام تظل عاملاً مؤثرًا، وأن الجماعة تسعى لمنع أي انخراط للقيادات أو القواعد الشعبية في أي تحركات قد تهدد مشاريعها، مؤكدًا أن تاريخ الصراع بين الطرفين يظهر أن الحوثيين يلتزمون باتباع أساليب استباقية لمنع أي مواجهة مشابهة لمواجهة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.

تهديد مباشر

يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني، جمال عبد الله، إن "الحوثيين يشعرون بأن أي قوة سياسية داخل مناطق سيطرتهم تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار حكمهم، والمؤتمر بحجمه التنظيمي وتأثيره الاجتماعي والسياسي يشكل ورقة ضغط محتملة يمكن أن تتحول إلى محور تحرك داخلي معادٍ لهم إذا ما تغيرت المعادلات الإقليمية أو الدولية".

ويضيف عبد الله أن "الضغط الدولي، والعقوبات الأمريكية، وتراجع الدعم الإيراني، تجعل الحوثيين في موقع دفاعي متقدم، وهو ما يفسر حالة الهلع والتصرفات الاستباقية، بما في ذلك استهداف ممتلكات المؤتمر وقياداته، قبل أن تتحول إلى تهديد واقعي على الأرض".

من جهته، الكاتبة إيمان الحضرمي إلى أن "الحملة على عقارات المؤتمر ليست مجرد نزاع قضائي على ممتلكات، بل جزء من استراتيجية أوسع لتفتيت القوة التنظيمية للحزب وضمان إخضاعه الكامل، بحيث لا يتمكن من لعب أي دور محوري في المرحلة المقبلة، سواء في السياسة المحلية أو في أي حراك عسكري محتمل داخل مناطق سيطرة الحوثيين".

ويخلص محللون آخرون إلى أن نهب عقارات المؤتمر واحتكار السلطات على القرارات القضائية المتعلقة بها يمثل محاولة للسيطرة الممنهجة على الموارد السياسية والاقتصادية للحزب، وهو ما يعكس خشية الحوثيين من تحرك الجبهة الداخلية ضدهم، خصوصًا أن المؤتمر يمثل الطرف الأكثر قدرة على تشكيل جبهة سياسية وربما عسكرية مضادة داخل مناطق سيطرتهم.

ويبدو أن ملف نهب عقارات المؤتمر لم يعد مجرد نزاع على ممتلكات، بل أصبح رمزًا لمعركة أكبر تُختبر فيها قدرة الحوثيين على صيانة نفوذهم، مع اقتراب مرحلة سياسية حرجة قد تحدد ملامح السيطرة والنفوذ في اليمن خلال الفترة المقبلة، بحسب محللين يمنيين ودوليين على حد سواء.